للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَظًّا» .

فَهَذَا تَفْضِيلٌ مِنْهُ لِلْآهِلِ بِحَسْبِ الْمَصْلَحَةِ وَالْحَاجَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَوْجُهُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْفَيْءِ، هَلْ كَانَ مِلْكًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ يُشَاءُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أحمد وَغَيْرِهِ.

وَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ سُنَّتُهُ وَهَدْيُهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْأَمْرِ، فَيَضَعُهُ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ، وَيَقْسِمُهُ عَلَى مَنْ أُمِرَ بِقِسْمَتِهِ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ بِشَهْوَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، يُعْطِي مَنْ أَحَبَّ، وَيَمْنَعُ مَنْ أَحَبَّ، وَإِنَّمَا كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ يُنَفِّذُ مَا أَمَرَهُ بِهِ سَيِّدُهُ وَمَوْلَاهُ، فَيُعْطِي مَنْ أُمِرَ بِإِعْطَائِهِ، وَيَمْنَعُ مَنْ أُمِرَ بِمَنْعِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا فَقَالَ: ( «وَاللَّهِ إِنِّي لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُهُ، إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» ) ، فَكَانَ عَطَاؤُهُ وَمَنْعُهُ وَقَسَمُهُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا رَسُولًا، فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ الرَّسُولَ لَا يَتَصَرَّفُ إِلَّا بِأَمْرِ سَيِّدِهِ وَمُرْسِلِهِ، وَالْمَلِكُ الرَّسُولُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ يُشَاءُ، وَيَمْنَعَ مَنْ يَشَاءُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِلْمَلِكِ الرَّسُولِ سُلَيْمَانَ: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص: ٣٩] [ص: ٣٩] . أَيْ: أَعْطِ مَنْ شِئْتَ، وَامْنَعْ مَنْ شِئْتَ، لَا نُحَاسِبُكَ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَغِبَ عَنْهَا إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا، وَهِيَ مَرْتَبَةُ الْعُبُودِيَّةِ الْمَحْضَةِ الَّتِي تَصَرُّفُ صَاحِبُهَا فِيهَا مَقْصُورٌ عَلَى أَمْرِ السَّيِّدِ فِي كُلِّ دَقِيقٍ وَجَلِيلٍ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي الْفَيْءِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، فَهُوَ مَلِكٌ يُخَالِفُ حُكْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>