للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِ فَرْضٍ لَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ، وَالْكَفِّ عَمَّنْ لَمْ يُقَاتِلْهُ، ثُمَّ لَمَّا نَزَلَتْ (بَرَاءَةٌ) سَنَةَ ثَمَانٍ أَمَرَهُ بِقِتَالِ جَمِيعِ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنَ الْعَرَبِ: مَنْ قَاتَلَهُ، أَوْ كَفَّ عَنْ قِتَالِهِ إِلَّا مَنْ عَاهَدَهُ، وَلَمْ يَنْقُصْهُ مِنْ عَهْدِهِ شَيْئًا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَفِيَ لَهُ بِعَهْدِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَحَارَبَ الْيَهُودَ مِرَارًا، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ.

ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ كُلِّهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، فَامْتَثَلَ أَمْرَ رَبِّهِ فَقَاتَلَهُمْ، فَأَسْلَمَ بَعْضُهُمْ، وَأَعْطَى بَعْضَهُمُ الْجِزْيَةَ، وَاسْتَمَرَّ بَعْضُهُمْ عَلَى مُحَارَبَتِهِ، فَأَخَذَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَأَيْلَةَ، وَهُمْ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ، وَمِنْ أَهْلِ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَرَبٌ، وَأَخَذَهَا مِنَ الْمَجُوسِ، وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْيَمَنِ، وَكَانُوا يَهُودًا.

وَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَقَالَ أحمد وَالشَّافِعِيُّ: لَا تُؤْخَذُ إِلَّا مِنَ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ الَّتِي أَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ، وَهُمُ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ. وَمَنْ عَدَاهُمْ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ الْقَتْلُ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي الْأُمَمِ كُلِّهَا إِذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ قُبِلَتْ مِنْهُمْ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ بِالْقُرْآنِ وَالْمَجُوسُ بِالسُّنَّةِ، وَمَنْ عَدَاهُمْ مُلْحَقٌ بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ شِرْكٍ لَا كِتَابَ لَهُمْ، فَأَخْذُهَا مِنْهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَخْذِهَا مِنْ جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْخُذْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ تَبُوكَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَرَغَ مِنْ قِتَالِ الْعَرَبِ، وَاسْتَوْثَقَتْ كُلُّهَا لَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْخُذْهَا مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ حَارَبُوهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ بَعْدُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَخَذَهَا مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَمِنَ الْمَجُوسِ، وَلَوْ بَقِيَ حِينَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ بَذَلَهَا لَقَبِلَهَا مِنْهُ، كَمَا قَبِلَهَا مِنْ عَبَدَةِ الصُّلْبَانِ وَالنِّيرَانِ، وَلَا فَرْقَ وَلَا تَأْثِيرَ لِتَغْلِيظِ كُفْرِ بَعْضِ الطَّوَائِفِ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ إِنَّ كُفْرَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ لَيْسَ أَغْلَظَ مِنْ كُفْرِ الْمَجُوسِ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ، بَلْ كُفْرُ الْمَجُوسِ أَغْلَظُ، وَعُبَّادُ الْأَوْثَانِ كَانُوا يُقِرُّونَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَعْبُدُونَ آلِهَتَهُمْ لِتُقَرِّبَهُمْ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلَمْ يَكُونُوا يُقِرُّونَ بِصَانِعَيْنِ لِلْعَالَمِ، أَحَدُهُمَا: خَالِقٌ لِلْخَيْرِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>