فِيهَا لِلْأَبِ، عَلَى كَوْنِهِ أَبًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُ وَبِوَطْئِهِ ثَابَ، وَلِهَذَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيمِ لَبَنِ الْفَحْلِ، فَثَبَتَ بِالنَّصِّ وَإِيمَائِهِ انْتِشَارُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ إِلَى أُمِّ الْمُرْتَضِعِ وَأَبِيهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَنَّهُ قَدْ صَارَ ابْنًا لَهُمَا، وَصَارَا أَبَوَيْنِ لَهُ، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ إِخْوَتُهُمَا وَأَخَوَاتُهُمَا خَالَاتٍ لَهُ وَعَمَّاتٍ، وَأَبْنَاؤُهُمَا وَبَنَاتُهُمَا إِخْوَةً لَهُ وَأَخَوَاتٍ، فَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣] [النِّسَاءِ: ٢٢] عَلَى انْتِشَارِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ إِلَى إِخْوَتِهِمَا وَأَخَوَاتِهِمَا، كَمَا انْتَشَرَتْ مِنْهُمَا إِلَى أَوْلَادِهِمَا، فَكَمَا صَارُوا إِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ لِلْمُرْتَضِعِ فَأَخْوَالُهُمَا وَخَالَاتُهُمَا أَخْوَالٌ وَخَالَاتٌ لَهُ وَأَعْمَامٌ وَعَمَّاتٌ لَهُ، الْأَوَّلُ بِطَرِيقِ النَّصِّ، وَالْآخَرُ بِتَنْبِيهِهِ، كَمَا أَنَّ الِانْتِشَارَ إِلَى الْأُمِّ بِطَرِيقِ النَّصِّ وَإِلَى الْأَبِ بِطَرِيقِ تَنْبِيهِهِ.
وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ عَجِيبَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي الْقُرْآنِ، لَا يَقَعُ عَلَيْهَا إِلَّا كُلُّ غَائِصٍ عَلَى مَعَانِيهِ وَوُجُوهِ دَلَالَاتِهِ، وَمِنْ هُنَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ( «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ) ، وَلَكِنَّ الدَّلَالَةَ دَلَالَتَانِ: خَفِيَّةٌ وَجَلِيَّةٌ، فَجَمَعَهُمَا لِلْأُمَّةِ لِيَتِمَّ الْبَيَانُ وَيَزُولَ الِالْتِبَاسُ، وَيَقَعَ عَلَى الدَّلَالَةِ الْجَلِيَّةِ الظَّاهِرَةِ مَنْ قَصُرَ فَهْمُهُ عَنِ الْخُفْيَةِ.
وَحَرَّمَ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أُمُّ الْمَرْأَةِ وَإِنْ عَلَتْ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رِضَاعٍ، دَخَلَ بِالْمَرْأَةِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَى هَؤُلَاءِ كُلِّهِنَّ.
وَحَرَّمَ الرَّبَائِبَ اللَّاتِي فِي حُجُورِ الْأَزْوَاجِ، وَهُنَّ بَنَاتُ نِسَائِهِمُ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ، فَتَنَاوَلَ بِذَلِكَ بَنَاتِهِنَّ، وَبَنَاتِ بَنَاتِهِنَّ، وَبَنَاتِ أَبْنَائِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ دَاخِلَاتٌ فِي اسْمِ الرَّبَائِبِ، وَقَيَّدَ التَّحْرِيمَ بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا: كَوْنُهُنَّ فِي حُجُورِ الْأَزْوَاجِ. وَالثَّانِي:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute