الدُّخُولُ بِأُمَّهَاتِهِنَّ. فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ الدُّخُولُ لَمْ يَثْبُتِ التَّحْرِيمُ، وَسَوَاءٌ حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ، هَذَا مُقْتَضَى النَّصِّ.
وَذَهَبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ، وأحمد فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: إِلَى أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ فِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ كَالدُّخُولِ بِهَا، لِأَنَّهُ يُكْمِلُ الصَّدَاقَ، وَيُوجِبُ الْعِدَّةَ وَالتَّوَارُثَ، فَصَارَ كَالدُّخُولِ، وَالْجُمْهُورُ أَبَوْا ذَلِكَ، وَقَالُوا: الْمَيِّتَةُ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَا تَحْرُمُ ابْنَتُهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ التَّحْرِيمَ بِالدُّخُولِ، وَصَرَّحَ بِنَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ.
وَأَمَّا كَوْنُهَا فِي حِجْرِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ لَا تَقْيِيدًا لِلتَّحْرِيمِ بِهِ، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: ٣١] [الْإِسْرَاءِ: ٣١] وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ بِنْتِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أُمِّهَا فَهِيَ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ وُقُوعًا وَجَوَازًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّاتِي مِنْ شَأْنِهِنَّ أَنْ يَكُنَّ فِي حُجُورِكُمْ، فَفِي ذِكْرِ هَذَا فَائِدَةٌ شَرِيفَةٌ، وَهِيَ جَوَازُ جَعْلِهَا فِي حِجْرِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِبْعَادُهَا عَنْهُ، وَتَجَنُّبُ مُؤَاكَلَتِهَا، وَالسَّفَرُ وَالْخَلْوَةُ بِهَا، فَأَفَادَ هَذَا الْوَصْفُ عَدَمَ الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَمَّا خَفِيَ هَذَا عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ، شَرَطَ فِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ أَنْ تَكُونَ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ، وَقَيَّدَ تَحْرِيمَهَا بِالدُّخُولِ بِأُمِّهَا، وَأَطْلَقَ تَحْرِيمَ أُمِّ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالدُّخُولِ، فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: إِنَّ الْأُمَّ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَلَا تَحْرُمُ الْبِنْتُ إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْأُمِّ، وَقَالُوا: أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] وَصْفٌ لِنِسَائِكُمُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَأَنَّهُ لَا تَحْرُمُ الْأُمُّ إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْبِنْتِ، وَهَذَا يَرُدُّهُ نَظْمُ الْكَلَامِ وَحَيْلُولَةُ الْمَعْطُوفِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ، وَامْتِنَاعُ جَعْلِ الصِّفَةِ لِلْمُضَافِ إِلَيْهِ دُونَ الْمُضَافِ إِلَّا عِنْدَ الْبَيَانِ، فَإِذَا قُلْتَ: مَرَرْتُ بِغُلَامِ زَيْدٍ الْعَاقِلِ فَهُوَ صِفَةٌ لِلْغُلَامِ لَا لِزَيْدٍ إِلَّا عِنْدَ زَوَالِ اللَّبْسِ، كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِغُلَامِ هِنْدٍ الْكَاتِبَةِ، وَيَرُدُّهُ أَيْضًا جَعْلُهُ صِفَةً وَاحِدَةً لِمَوْصُوفَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ وَالتَّعَلُّقِ وَالْعَامِلِ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute