للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدَةً كَانَ هَذَا سَبَبًا فِي إِعْتَاقِهَا، وَقَدْ قُلْتُمْ أَنْتُمْ إِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» ) .

إِنَّ هَذَا مِنْ تَرْتِيبِ الْمُسَبَّبِ عَلَى سَبَبِهِ، وَأَنَّهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ يُعْتِقُ عَلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِنْشَاءِ عِتْقٍ.

وَأَمَّا الْعُذْرُ الثَّانِي: فَأَمْرُهُ أَظْهَرُ وَسِيَاقُ الْقِصَّةِ يُبْطِلُهُ، فَإِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا، وَكَانَ وَلَاؤُهَا لَهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَمْ تَشْتَرِ الْمَالَ وَالْمَالُ كَانَ تِسْعَ أَوَاقٍ مُنَجَّمَةٍ فَعَدَّتْهَا لَهُمْ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْمَالِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهَا وَلَا كَانَ غَرَضَهَا بِوَجْهٍ مَا، وَلَا كَانَ لعائشة غَرَضٌ فِي شِرَاءِ الدَّرَاهِمِ الْمُؤَجَّلَةِ بِعَدَدِهَا حَالَّةً.

وَفِي الْقِصَّةِ جَوَازُ الْمُعَامَلَةِ بِالنُّقُودِ عَدَدًا إِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ مِقْدَارُهَا، وَفِيهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْآخَرِ شَرْطًا يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ " لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ "، أَيْ: لَيْسَ فِي حُكْمِ اللَّهِ جَوَازُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُهُ وَإِبَاحَتُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ( «كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ» ) .

وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ صَحَّحَ الْعَقْدَ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ، وَلَمْ يَبْطُلِ الْعَقْدُ بِهِ، وَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ وَتَفْصِيلٌ يَظْهَرُ الصَّوَابُ مِنْهُ فِي تَبْيِينِ مَعْنَى الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَشْكَلَ عَلَى النَّاسِ قَوْلُهُ " «اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» "، فَأَذِنَ لَهَا فِي هَذَا الِاشْتِرَاطِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ. وَالشَّافِعِيُّ طَعَنَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَقَالَ: إِنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ انْفَرَدَ بِهَا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَرَدَّهَا الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يُثْبِتْهَا، وَلَكِنَّ أَصْحَابَ " الصَّحِيحَيْنِ " وَغَيْرَهُمْ أَخْرَجُوهَا وَلَمْ يَطْعَنُوا فِيهَا، وَلَمْ يُعَلِّلْهَا أَحَدٌ سِوَى الشَّافِعِيِّ فِيمَا نَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>