عُذْرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ وَرَدَ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ لَا عَلَى رَقَبَتِهَا وَهَذَا عُذْرُ أَصْحَابِ مالك.
وَهَذَانِ الْعُذْرَانِ أَحْوَجُ إِلَى أَنْ يُعْتَذَرَ عَنْهُمَا مِنَ الْحَدِيثِ، وَلَا يَصِحُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ شَهِدَهَا العباس وَابْنُهُ عبد الله، وَكَانَتِ الْكِتَابَةُ تِسْعَ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ، وَلَمْ تَكُنْ بَعْدُ أَدَّتْ شَيْئًا، وَلَا خِلَافَ أَنَّ العباس وَابْنَهُ إِنَّمَا سَكَنَا الْمَدِينَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَلَمْ يَعِشِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا عَامَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثِ، فَأَيْنَ الْعَجْزُ وَحُلُولُ النُّجُومِ؟! .
وَأَيْضًا، فَإِنَّ بريرة لَمْ تَقُلْ: عَجَزْتُ، وَلَا قَالَتْ لَهَا عائشة: أَعَجَزْتِ؟ وَلَا اعْتَرَفَ أَهْلُهَا بِعَجْزِهَا، وَلَا حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَجْزِهَا، وَلَا وَصَفَهَا بِهِ، وَلَا أَخْبَرَ عَنْهَا الْبَتَّةَ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا الْعَجْزُ الَّذِي تَعْجِزُونَ عَنْ إِثْبَاتِهِ؟! .
وَأَيْضًا فَإِنَّهَا إِنَّمَا قَالَتْ لعائشة: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةً، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُعِينِينِي، وَلَمْ تَقُلْ: لَمْ أُؤَدِّ لَهُمْ شَيْئًا، وَلَا مَضَتْ عَلَيَّ نُجُومٌ عِدَّةٌ عَجَزْتُ عَنِ الْأَدَاءِ فِيهَا، وَلَا قَالَتْ عَجَّزَنِي أَهْلِي.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ لَوْ عَجَّزُوهَا لَعَادَتْ فِي الرِّقِّ وَلَمْ تَكُنْ حِينَئِذٍ لِتَسْعَى فِي كِتَابَتِهَا وَتَسْتَعِينَ بعائشة عَلَى أَمْرٍ قَدْ بَطَلَ.
فَإِنْ قِيلَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى عَجْزِهَا قَوْلُ عائشة: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَشْتَرِيَكِ وَأُعْتِقَكِ، وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " «اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا» " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِنْشَاءِ عِتْقٍ مِنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَعِتْقُ الْمُكَاتَبِ بِالْأَدَاءِ لَا بِإِنْشَاءٍ مِنَ السَّيِّدِ.
قِيلَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُمُ الْقَوْلَ بِبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ. قَالُوا: وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ إِلَّا بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ أَوْ تَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ وَحِينَئِذٍ فَيَعُودُ فِي الرِّقِّ، فَإِنَّمَا وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَى رَقِيقٍ لَا عَلَى مُكَاتَبٍ.
وَجَوَابُ هَذَا: أَنَّ تَرْتِيبَ الْعِتْقِ عَلَى الشِّرَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَى إِنْشَائِهِ، فَإِنَّهُ تَرْتِيبٌ لِلْمُسَبَّبِ عَلَى سَبَبِهِ، وَلَا سِيَّمَا فَإِنَّ عائشة لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تُعَجِّلَ كِتَابَتَهَا جُمْلَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute