حنيفة وأحمد فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تُخَيَّرُ. وَلَيْسَتِ الرِّوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَيْنِ عَلَى كَوْنِ زَوْجِهَا عَبْدًا أَوْ حُرًّا، بَلْ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ فِي إِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَآخِذَ لِلْفُقَهَاءِ:
أَحَدُهَا: زَوَالُ الْكَفَاءَةِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ كَمُلَتْ تَحْتَ نَاقِصٍ.
الثَّانِي: أَنَّ عِتْقَهَا أَوْجَبَ لِلزَّوْجِ مِلْكَ طَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا مَأْخَذُ أَصْحَابِ أبي حنيفة، وَبَنَوْا عَلَى أَصْلِهِمْ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعْتَبَرٌ بِالنِّسَاءِ لَا بِالرِّجَالِ.
الثَّالِثُ: مِلْكُهَا نَفْسَهَا، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ مَا فِي هَذِهِ.
الْمَأْخَذُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ كَمَالُهَا تَحْتَ نَاقِصٍ، فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الدَّوَامِ كَمَا هِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ، فَإِذَا زَالَتْ خُيِّرَتِ الْمَرْأَةُ، كَمَا تُخَيَّرُ إِذَا بَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ كُفْءٍ لَهَا. وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ شُرُوطَ النِّكَاحِ لَا يُعْتَبَرُ دَوَامُهَا وَاسْتِمْرَارُهَا، وَكَذَلِكَ تَوَابِعُهُ الْمُقَارِنَةُ لِعَقْدِهِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ تَوَابِعَ فِي الدَّوَامِ، فَإِنَّ رِضَى الزَّوْجَةِ غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّوَامِ، وَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ وَالشَّاهِدَانِ، وَكَذَلِكَ مَانِعُ الْإِحْرَامِ وَالْعِدَّةِ وَالزِّنَى عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ، إِنَّمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنَ اشْتِرَاطِ الْكَفَاءَةِ ابْتِدَاءُ اشْتِرَاطِ اسْتِمْرَارِهَا وَدَوَامِهَا.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ زَالَتِ الْكَفَاءَةُ فِي أَثْنَاءِ النِّكَاحِ بِفِسْقِ الزَّوْجِ، أَوْ حُدُوثِ عَيْبٍ مُوجِبٍ لِلْفَسْخِ، لَمْ يَثْبُتِ الْخِيَارُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ وَمَذْهَبُ مالك.
وَأَثْبَتَ الْقَاضِي الْخِيَارَ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ وَيَلْزَمُهُ إِثْبَاتُهُ بِحُدُوثِ فِسْقِ الزَّوْجِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ حَدَثَ بِالزَّوْجِ ثَبَتَ الْخِيَارُ، وَإِنْ حَدَثَ بِالزَّوْجَةِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ.
وَأَمَّا الْمَأْخَذُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ عِتْقَهَا أَوْجَبَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا مِلْكَ طَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ فَمَأْخَذٌ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَأَيُّ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَ ثُبُوتِ طَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ، وَبَيْنَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا؟ وَهَلْ نَصَبَ الشَّارِعُ مِلْكَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ سَبَبًا لِمِلْكِ الْفَسْخِ، وَمَا يُتَوَهَّمُ - مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ تَبِينُ مِنْهُ بِاثْنَتَيْنِ فَصَارَتْ لَا تَبِينُ إِلَّا بِثَلَاثٍ، وَهُوَ زِيَادَةُ إِمْسَاكٍ وَحَبْسٍ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute