قَصْدِ الْحَالِفِ إِلَى عَقْدِ الْيَمِينِ وَحَقِيقَتِهَا وَهَذَا تَشْرِيعٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ أَلَّا يُرَتِّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ يَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا حَقَائِقَهَا وَمَعَانِيَهَا، وَهَذَا غَيْرُ الْهَازِلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا.
وَقَدْ أَفْتَى الصَّحَابَةُ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَإِقْرَارِهِ، فَصَحَّ عَنْ عمر أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ الرَّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا أَوْجَعْتَهُ أَوْ ضَرَبْتَهُ أَوْ أَوْثَقْتَهُ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا تَدَلَّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا، فَأَتَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ: لَأَقْطَعَنَّ الْحَبْلَ أَوْ لَتُطَلِّقَنِّي. فَنَاشَدَهَا اللَّهَ فَأَبَتْ فَطَلَّقَهَا، فَأَتَى عمر فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى امْرَأَتِكَ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ. وَكَانَ علي لَا يُجِيزُ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ، وَقَالَ ثابت الأعرج: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وابن الزبير عَنْ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، فَقَالَا جَمِيعًا: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِمَا رَوَاهُ الغازي بن جبلة عَنْ صفوان بن عمران الأصم عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّ رَجُلًا جَلَسَتِ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ وَجَعَلَتِ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ، وَقَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ، فَنَاشَدَهَا فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» ) رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي " سُنَنِهِ ".
وَرَوَى عطاء بن عجلان عَنْ عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» ) .
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا فرج بن فضالة، حَدَّثَنِي عمرو بن شراحيل المعافري، أَنَّ امْرَأَةً اسْتَلَّتْ سَيْفًا فَوَضَعَتْهُ عَلَى بَطْنِ زَوْجِهَا وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَأُنْفِذَنَّكَ أَوْ لِتُطَلِّقَنِّي، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَمْضَى طَلَاقَهَا. وَقَالَ علي: (كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute