للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ) . وَهَذَا صَرِيحٌ أَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرْدُودٌ بَاطِلٌ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ نَافِذٌ؟ فَأَيْنَ هَذَا مِنَ الْحُكْمِ بِرَدِّهِ؟

قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّهُ طَلَاقٌ لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ أَبَدًا، وَكَانَ مَرْدُودًا بَاطِلًا كَطَلَاقِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَا يَنْفَعُكُمُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الزَّوْجَةَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ، وَلَا هُوَ مِمَّا مَلَّكَهُ الشَّارِعُ إِيَّاهُ.

قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِالتَّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ، وَلَا أَشَرَّ مِنَ التَّسْرِيحِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَمُوجَبُ عَقْدِ النِّكَاحِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، وَالتَّسْرِيحُ الْمُحَرَّمُ أَمْرٌ ثَالِثٌ غَيْرُهُمَا، فَلَا عِبْرَةَ بِهِ الْبَتَّةَ.

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] ، وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنِ عَنِ اللَّهِ مُرَادَهُ مِنْ كَلَامِهِ، أَنَّ الطَّلَاقَ الْمَشْرُوعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ هُوَ الطَّلَاقُ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ الَّذِي لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ، أَوْ بَعْدَ اسْتِبَانَةِ الْحَمْلِ، وَمَا عَدَاهُمَا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ لِلْعِدَّةِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا، فَكَيْفَ تَحْرُمُ الْمَرْأَةُ بِهِ؟

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] [الْبَقَرَةِ: ٢٦٩] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الطَّلَاقَ الْمَأْذُونَ فِيهِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ لَيْسَ مِنَ الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ حَصَرَ الطَّلَاقَ الْمَشْرُوعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ الَّذِي يَمْلِكُ بِهِ الرَّجْعَةَ فِي مَرَّتَيْنِ، فَلَا يَكُونُ مَا عَدَاهُ طَلَاقًا. قَالُوا: وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِالْفَتْوَى فِي الطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ، كَمَا رَوَى ابن وهب، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>