وَمَنْ تَأَمَّلَ الْقُرْآنَ حَقَّ التَّأَمُّلِ، تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَرَفَ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمَشْرُوعَ بَعْدَ الدُّخُولِ هُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي يَمْلِكُ بِهِ الرَّجْعَةَ، وَلَمْ يَشْرَعِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِيقَاعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً وَاحِدَةً الْبَتَّةَ، قَالَ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] ، وَلَا تَعْقِلُ الْعَرَبُ فِي لُغَتِهَا وُقُوعَ الْمَرَّتَيْنِ إِلَّا مُتَعَاقِبَتَيْنِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ» ) ، وَنَظَائِرُهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْقَلُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا تَسْبِيحٌ وَتَكْبِيرٌ وَتَحْمِيدٌ مُتَوَالٍ يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا، فَلَوْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ بِهَذَا اللَّفْظِ - لَكَانَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَطْ. وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦] [النُّورِ: ٦] ، فَلَوْ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ، كَانَتْ مَرَّةً، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: ٨] [النُّورِ: ٨] ، فَلَوْ قَالَتْ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، كَانَتْ وَاحِدَةً، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: ١٠١] [التَّوْبَةِ: ١٠١] ، فَهَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute