إِحْدَاهُمَا: مَا رَوَاهُ أبو داود بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، ( «عَنِ طَاوُوسٍ، أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: أبو الصهباء كَانَ كَثِيرَ السُّؤَالِ لِابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ لَهُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ عمر؟ فَلَمَّا رَأَى عمر النَّاسَ قَدْ تَتَايَعُوا فِيهَا، قَالَ: أَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ» ) .
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَيُصَادِفُهَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ، وَهِيَ بَائِنٌ، فَتَلْغُو، وَرَأَى هَؤُلَاءِ أَنَّ إِلْزَامَ عمر بِالثَّلَاثِ هُوَ فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَحَدِيثُ أبي الصهباء فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. قَالُوا: فَفِي هَذَا التَّفْرِيقِ مُوَافَقَةُ الْمَنْقُولِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَمُوَافَقَةُ الْقِيَاسِ، وَقَالَ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى، كَمَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنْ عَدَمُ الْوُقُوعِ جُمْلَةً هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيَّةِ، وَحَكَوْهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ.
قَالَ الْمُوقِعُونَ لِلثَّلَاثِ: الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَحْرِيمُ جَمْعِ الثَّلَاثِ. وَالثَّانِي: وُقُوعُهَا جُمْلَةً وَلَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ مَعَكُمْ فِي الْمَقَامَيْنِ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ:
فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ: إِنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ سُنَّةٌ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] [الْبَقَرَةِ: ٢٣٦] ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الثَّلَاثُ مَجْمُوعَةً، أَوْ مُفَرَّقَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ، كَمَا لَا نَجْمَعُ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٧] [الْبَقَرَةِ: ٢٢٧] ، وَلَمْ يُفَرِّقْ وَقَالَ: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] الْآيَةَ، وَلَمْ يُفَرِّقْ وَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute