للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا وَجْهُ الْحَدِيثِ الَّذِي لَا وَجْهَ لَهُ غَيْرُهُ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ تَأْوِيلِكُمُ الْمُسْتَكْرَهِ الْمُسْتَبْعَدِ الَّذِي لَا تُوَافِقُهُ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ، بَلْ تَنْبُو عَنْهُ، وَتُنَافِرُهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَاهُ كَانَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدَةً، فَإِنَّ حَقِيقَةَ هَذَا التَّأْوِيلِ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُطَلِّقُونَ وَاحِدَةً، وَعَلَى عَهْدِ عمر صَارُوا يُطَلِّقُونَ ثَلَاثًا وَالتَّأْوِيلُ، إِذَا وَصَلَ إِلَى هَذَا الْحَدِّ، كَانَ مِنْ بَابِ الْإِلْغَازِ وَالتَّحْرِيفِ، لَا مِنْ بَابِ بَيَانِ الْمُرَادِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مَا، فَإِنَّ النَّاسَ مَا زَالُوا يُطَلِّقُونَ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا، وَقَدْ طَلَّقَ رِجَالٌ نِسَاءَهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا، فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهَا إِلَى وَاحِدَةٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ عكرمة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَغَضِبَ وَجَعَلَهُ مُتَلَاعِبًا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ مَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِمْ مَنْ أَقَرَّهُ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللِّعَانُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْزَمَهُ بِالثَّلَاثِ، لِكَوْنِ مَا أَتَى بِهِ مِنَ الطَّلَاقِ آخِرَ الثَّلَاثِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّاسَ مَا زَالُوا يُطَلِّقُونَ وَاحِدَةً إِلَى أَثْنَاءِ خِلَافَةِ عمر، فَطَلَّقُوا ثَلَاثًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي شَيْءٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَنُمْضِيهِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُلَائِمُ هَذَا الْكَلَامُ الْفَرْقَ بَيْنَ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ عَهْدِهِ بِوَجْهٍ مَا، فَإِنَّهُ مَاضٍ مِنْكُمْ عَلَى عَهْدِهِ وَبَعْدَ عَهْدِهِ.

ثُمَّ إِنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحَةِ: ( «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا جُعِلَتْ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ) .

وَفِي لَفْظٍ: ( «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عمر، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلَى كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر، وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ عمر،

<<  <  ج: ص:  >  >>