فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ - يَعْنِي عمر - قَدْ تَتَايَعُوا فِيهَا، قَالَ: أَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ» ) ، هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ بِأَصَحِّ إِسْنَادٍ، وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ التَّأْوِيلِ بِوَجْهٍ مَا، وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ عَمَلُ مَنْ جَعَلَ الْأَدِلَّةَ تَبَعًا لِلْمَذْهَبِ، فَاعْتَقَدَ ثُمَّ اسْتَدَلَّ. وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْمَذْهَبَ تَبَعًا لِلدَّلِيلِ، وَاسْتَدَلَّ ثُمَّ اعْتَقَدَ، لَمْ يُمْكِنْهُ هَذَا الْعَمَلُ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا أَنَّهُ عَلِمَ بِهِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، فَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ أَنْ يَسْتَمِرَّ هَذَا الْجَعْلُ الْحَرَامُ الْمُتَضَمِّنُ لِتَغْيِيرِ شَرْعِ اللَّهِ وَدِينِهِ، وَإِبَاحَةِ الْفَرْجِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَتَحْرِيمِهِ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ حَلَالٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ خَيْرِ الْخَلْقِ، وَهُمْ يَفْعَلُونَهُ، وَلَا يَعْلَمُونَهُ، وَلَا يَعْلَمُهُ هُوَ، وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ، فَهَبْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَعْلَمُونَهُ، وَيُبَدِّلُونَ دِينَهُ وَشَرْعَهُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَلَا يُوحِيهِ إِلَى رَسُولِهِ، وَلَا يُعْلِمُهُ بِهِ، ثُمَّ يَتَوَفَّى اللَّهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَسْتَمِرُّ هَذَا الضَّلَالُ الْعَظِيمُ، وَالْخَطَأُ الْمُبِينُ عِنْدَكُمْ مُدَّةَ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ كُلَّهَا يُعْمَلُ بِهِ وَلَا يُغَيَّرُ إِلَى أَنْ فَارَقَ الصِّدِّيقُ الدُّنْيَا، وَاسْتَمَرَّ الْخَطَأُ وَالضَّلَالُ الْمُرَكَّبُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عمر، حَتَّى رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ أَنْ يُلْزِمَ النَّاسَ بِالصَّوَابِ، فَهَلْ فِي الْجَهْلِ بِالصَّحَابَةِ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي عَهْدِ نَبِيِّهِمْ وَخُلَفَائِهِ أَقْبَحُ مِنْ هَذَا، وَتَاللَّهِ لَوْ كَانَ جَعْلُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً خَطَأً مَحْضًا، لَكَانَ أَسْهَلَ مِنْ هَذَا الْخَطَأِ الَّذِي ارْتَكَبْتُمُوهُ، وَالتَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلْتُمُوهُ، وَلَوْ تَرَكْتُمُ الْمَسْأَلَةَ بِهَيْئَتِهَا، لَكَانَ أَقْوَى لِشَأْنِهَا مِنْ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ وَالْأَجْوِبَةِ.
قَالُوا: وَلَيْسَ التَّحَاكُمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى مُقَلِّدٍ مُتَعَصِّبٍ، وَلَا هَيَّابٍ لِلْجُمْهُورِ، وَلَا مُسْتَوْحِشٍ مِنَ التَّفَرُّدِ إِذَا كَانَ الصَّوَابُ فِي جَانِبِهِ، وَإِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute