للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَلِهَذَا الْقَوْلِ فِقْهٌ دَقِيقٌ، فَإِنَّهَا إِنَّمَا حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ التَّطْلِيقَتَانِ لِنَقْصِهِ بِالرِّقِّ، فَإِذَا عَتَقَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، زَالَ النَّقْصُ، وَوُجِدَ سَبَبُ مِلْكِ الثَّلَاثِ، وَآثَارُ النِّكَاحِ بَاقِيَةٌ، فَمَلَكَ عَلَيْهَا تَمَامَ الثَّلَاثِ، وَلَهُ رَجْعَتُهَا، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، بَانَتْ مِنْهُ وَحَلَّتْ لَهُ بِدُونِ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، فَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ بِبَعِيدٍ فِي الْقِيَاسِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَأَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدَهَا بِدُونِ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ، وَلَوْ لَمْ يَعْتِقْ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ جَمِيعِهِمْ، فَإِنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعَبْدَ وَالْحُرَّ فِي الطَّلَاقِ سَوَاءٌ.

وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، (عَنْ أبي معبد مولى ابن عباس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ عَبْدًا لَهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، فَأَمَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَأَبَى، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ لَكَ فَاسْتَحِلَّهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ) .

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ زَوْجَتَهُ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً، مَلَكَ عَلَيْهَا تَمَامَ الثَّلَاثِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أبي حنيفة.

وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ طَلَاقَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ سَوَاءٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ جَمِيعِهِمْ، حَكَاهُ عَنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ، وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الطَّلَاقِ، وَإِطْلَاقِهَا، وَعَدَمِ تَفْرِيقِهَا بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَلَمْ تُجْمِعِ الْأُمَّةُ عَلَى التَّفْرِيقِ، فَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَفْتَى غُلَامًا لَهُ بِرَجْعَةِ زَوْجَتِهِ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ، وَكَانَتْ أَمَةً. وَفِي هَذَا النَّقْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَظَرٌ، فَإِنَّ عبد الرزاق رَوَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ أبا معبد أَخْبَرَهُ، (أَنَّ عَبْدًا كَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ جَارِيَةٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَطَلَّقَهَا فَبَتَّهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا طَلَاقَ لَكَ فَارْجِعْهَا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>