للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْئًا. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَمَلَّكَتْ عائشة حفصة حِينَ مَلَّكَهَا الْمُنْذِرُ أَمْرَهَا، قَالَ عطاء: لَا، إِنَّمَا عَرَضَتْ عَلَيْهَا أَتُطَلِّقُهَا أَمْ لَا، وَلَمْ تُمَلِّكْهَا أَمْرَهَا)

وَلَوْلَا هَيْبَةُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا عَدَلْنَا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ، وَلَكِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمُ الْقُدْوَةُ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ التَّخْيِيرِ، فَفِي ضِمْنِ اخْتِلَافِهِمُ اتَّفَاقُهُمْ عَلَى اعْتِبَارِ التَّخْيِيرِ، وَعَدَمِ إِلْغَائِهِ، وَلَا مَفْسَدَةَ فِي ذَلِكَ، وَالْمَفْسَدَةُ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا فِي كَوْنِ الطَّلَاقِ بِيَدِ الْمَرْأَةِ، إِنَّمَا تَكُونُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِيَدِهَا اسْتِقْلَالًا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِهَا، فَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ لَهُ فِي تَفْوِيضِهَا إِلَى الْمَرْأَةِ، لِيَصِيرَ حَالُهُ مَعَهَا عَلَى بَيِّنَةٍ، إِنْ أَحَبَّتْهُ أَقَامَتْ مَعَهُ، وَإِنْ كَرِهَتْهُ فَارَقَتْهُ، فَهَذَا مَصْلَحَةٌ لَهُ وَلَهَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي تَغْيِيرَ شَرْعِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَوْكِيلِ الْمَرْأَةِ فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا، وَتَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ، وَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الطَّلَاقِ، كَمَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ.

وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْحَكَمَيْنِ النَّظَرَ فِي حَالِ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ، إِنْ رَأَيَا التَّفْرِيقَ فَرَّقَا، وَإِنْ رَأَيَا الْجَمْعَ جَمَعَا، وَهُوَ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ، إِمَّا بِرِضَاهُ إِنْ قِيلَ هُمَا وَكِيلَانِ، أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُ إِنْ قِيلَ هُمَا حَكَمَانِ، وَقَدْ جُعِلَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى الزَّوْجِ فِي مَوَاضِعَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُ، فَإِذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ مَنْ يُطَلِّقُ عَنْهُ، أَوْ يُخَالِعُ، لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ اللَّهِ، وَلَا مُخَالَفَةٌ لِدِينِهِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي يُطَلِّقُ، إِمَّا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِوَكِيلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ أَتَمَّ نَظَرًا لِلرَّجُلِ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَعْلَمَ بِمَصْلَحَتِهِ، فَيُفَوِّضُ إِلَيْهِ مَا هُوَ أَعْلَمُ بِوَجْهِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ مِنْهُ، وَإِذَا جَازَ التَّوْكِيلُ فِي الْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا، وَإِثْبَاتِهَا وَاسْتِيفَائِهَا، وَالْمُخَاصَمَةِ فِيهَا، فَمَا الَّذِي حَرَّمَ التَّوْكِيلَ فِي الطَّلَاقِ؟ نَعَمِ الْوَكِيلُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِيمَا يَمْلِكُهُ مِنَ الطَّلَاقِ وَمَا لَا يَمْلِكُهُ، وَمَا يَحِلُّ لَهُ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، فَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>