فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ هَذَا بِطَلَاقٍ، وَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ. قَالُوا: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَقَدَ عَلَى ابنة الجون، وَإِنَّمَا أَرْسَلَ إِلَيْهَا لِيَخْطُبَهَا.
قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ": مِنْ حَدِيثِ حمزة بن أبي أسيد، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ ( «كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيَّةِ، فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتِ أميمة بنت النعمان بن شراحيل فِي نَخْلٍ، وَمَعَهَا دَابَّتُهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَبِي لِي نَفْسَكِ " فَقَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ، فَأَهْوَى لِيَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: " قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: " يَا أبا أسيد اكْسُهَا رَازِقِيَّيْنِ، وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا» )
وَفِي " صَحِيحِ مسلم ": عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: ( «ذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنَ الْعَرَبِ، فَأَمَرَ أبا أسيد أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَقَدِمَتْ، فَنَزَلَتْ فِي أُجُمِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَهَا دَخَلَ عَلَيْهَا، فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكَّسَةٌ رَأْسَهَا، فَلَمَّا كَلَّمَهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، قَالَ: " قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّي " فَقَالُوا لَهَا: أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا، قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَكَ لِيَخْطُبَكِ، قَالَتْ: أَنَا كُنْتُ أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ» )
قَالُوا: وَهَذِهِ كُلُّهَا أَخْبَارٌ عَنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، وَهِيَ صَرِيحَةٌ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ، وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا لِيَخْطُبَهَا.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ - مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ - بَلْ هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ إِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ": أَنَّ أَبَانَا إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute