للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ سُبْحَانَهُ شَهَادَةً، وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينًا حَيْثُ يَقُولُ: " «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» " فَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْأَيْمَانِ قَالَ: يَصِحُّ مِنْ كُلِّ مَنْ يَصِحُّ يَمِينُهُ، قَالُوا: وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] قَالُوا: وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمِينًا.

قَالُوا: وَلِأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى اسْمِ اللَّهِ وَإِلَى ذِكْرِ الْقَسَمِ الْمُؤَكَّدِ وَجَوَابِهِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ.

قَالُوا: وَلَوْ كَانَ شَهَادَةً لَمَا تَكَرَّرَ لَفْظُهُ، بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ قَدْ يُشْرَعُ فِيهَا التَّكْرَارُ، كَأَيْمَانِ الْقَسَامَةِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ حَاجَةَ الزَّوْجِ الَّتِي لَا تَصِحُّ مِنْهُ الشَّهَادَةُ إِلَى اللِّعَانِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ، كَحَاجَةِ مَنْ تَصِحُّ شَهَادَتُهُ سَوَاءٌ، وَالْأَمْرُ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ مِمَّا يَدْعُو إِلَى اللِّعَانِ كَالَّذِي يَنْزِلُ بِالْعَدْلِ الْحُرِّ، وَالشَّرِيعَةُ لَا تَرْفَعُ ضَرَرَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ وَتَجْعَلُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا نَزَلَ بِهِ، وَتَدَعُ النَّوْعَ الْآخَرَ فِي الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ لَا فَرَجَ لَهُ مِمَّا نَزَلَ بِهِ وَلَا مَخْرَجَ، بَلْ يَسْتَغِيثُ فَلَا يُغَاثُ، وَيَسْتَجِيرُ فَلَا يُجَارُ، إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِهِ، قَدْ ضَاقَتْ عَنْهُ الرَّحْمَةُ الَّتِي وَسِعَتْ مَنْ تَصِحُّ شَهَادَتُهُ، وَهَذَا تَأْبَاهُ الشَّرِيعَةُ الْوَاسِعَةُ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ.

قَالَ الْآخَرُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦] وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ اسْتَثْنَى أَنْفُسَهُمْ مِنَ الشَّهَدَاءِ، وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ قَطْعًا، وَلِهَذَا جَاءَ مَرْفُوعًا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْتِعَانَهُمْ شَهَادَةٌ، ثُمَّ زَادَ سُبْحَانَهُ هَذَا بَيَانًا فَقَالَ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: ٨]

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ جَعَلَهُ بَدَلًا مِنَ الشُّهُودِ، وَقَائِمًا مَقَامَهُمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ.

قَالُوا: وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( «لَا لِعَانَ بَيْنَ مَمْلُوكَيْنِ وَلَا كَافِرَيْنِ» ) ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " التَّمْهِيدِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>