للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْقَسَمِ وَجَوَابِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِذَلِكَ، سَوَاءٌ نَوَى الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ، وَالْعَرَبُ تَعُدُّ ذَلِكَ يَمِينًا فِي لُغَتِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا. قَالَ قيس:

فَأَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ أَنِّي أُحِبُّهَا ... فَهَذَا لَهَا عِنْدِي فَمَا عِنْدَهَا لِيَا

وَفِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ " أَشْهَدُ " تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ "بِاللَّهِ" كَمَا هُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أحمد. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَكُونُ يَمِينًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، يَمِينٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بِمُطْلَقِهِ.

قَالُوا: وَأَمَّا اسْتِثْنَاؤُهُ سُبْحَانَهُ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ فَيُقَالُ:

أَوَّلًا: " إِلَّا " هَاهُنَا: صِفَةٌ بِمَعْنَى "غَيْرُ" وَالْمَعْنَى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ غَيْرُ أَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّ " غَيْرُ " وَ " وَإِلَّا " يَتَعَاوَضَانِ الْوَصْفِيَّةَ وَالِاسْتِثْنَاءَ فَيُسْتَثْنَى بِـ " غَيْرُ " حَمْلًا عَلَى " إِلَّا " وَيُوصَفُ بِـ " إِلَّا " حَمْلًا عَلَى " غَيْرُ ".

وَيُقَالُ ثَانِيًا: إِنَّ " أَنْفُسُهُمْ " مُسْتَثْنًى مِنَ الشُّهَدَاءِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا عَلَى لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ، فَإِنَّهُمْ يُبْدِلُونَ فِي الِانْقِطَاعِ كَمَا يُبْدِلُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَهُمْ فِي الِاتِّصَالِ.

وَيُقَالُ ثَالِثًا: إِنَّمَا اسْتَثْنَى " أَنْفُسُهُمْ " مِنَ الشُّهَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَزَّلَهُمْ مَنْزِلَتَهُمْ فِي قَبُولِ قَوْلِهِمْ، وَهَذَا قَوِيٌّ جِدًّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرْجُمُ الْمَرْأَةَ بِالْتِعَانِ الزَّوْجِ إِذَا نَكَلَتْ وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِعَانَهُمْ يَجْمَعُ الْوَصْفَيْنِ؛ الْيَمِينَ وَالشَّهَادَةَ، فَهُوَ شَهَادَةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْقَسَمِ وَالتَّكْرَارِ، وَيَمِينٌ مُغَلَّظَةٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَالتَّكْرَارِ؛ لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ تَأْكِيدَ الْأَمْرِ، وَلِهَذَا اعْتُبِرَ فِيهِ مِنَ التَّأْكِيدِ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ.

أَحَدُهَا: ذِكْرُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>