للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخَرِينَ، وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الْبَيِّنَاتِ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ( «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» ) وَلَمْ يُبْطِلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذَا، وَإِنَّمَا نَقَلَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ بَيِّنَةٍ مُنْفَصِلَةٍ تُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْهُ يَعْجِزُ عَنْ إِقَامَتِهَا، إِلَى بَيِّنَةٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ إِقَامَتِهَا، وَلَمَّا كَانَتْ دُونَهَا فِي الرُّتْبَةِ اعْتُبِرَ لَهَا مُقَوٍّ مُنْفَصْلٌ، وَهُوَ نُكُولُ الْمَرْأَةِ عَنْ دَفْعِهَا وَمُعَارَضَتِهَا مَعَ قُدْرَتِهَا وَتَمَكُّنِهَا.

قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ مُوجَبَ لِعَانِهِ إِسْقَاطُ الْحَدِّ عَنْ نَفْسِهِ، لَا إِيجَابُ الْحَدِّ عَلَيْهَا إِلَى آخِرِهِ، فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّ مِنْ مُوجَبِهِ إِسْقَاطَ الْحَدِّ عَنْ نَفْسِهِ فَحَقٌّ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْهُ يُسْقِطُ جَمِيعَ مُوجَبِهِ وَلَا مُوجَبَ لَهُ سِوَاهُ فَبَاطِلٌ قَطْعًا، فَإِنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ أَوْ وُجُوبَ التَّفْرِيقِ وَالتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ أَوِ الْمُؤَقَّتِ، وَنَفْيَ الْوَلَدِ الْمُصَرَّحِ بِنَفْيِهِ، أَوِ الْمُكْتَفَى فِي نَفْيِهِ بِاللِّعَانِ، وَوُجُوبَ الْعَذَابِ عَلَى الزَّوْجَةِ، إِمَّا عَذَابِ الْحَدِّ أَوْ عَذَابِ الْحَبْسِ، كُلَّ ذَلِكَ مِنْ مُوجَبِ اللِّعَانِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَدِّ الْقَذْفِ عَنِ الزَّوْجِ فَقَطْ.

قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ الصَّحَابَةَ جَعَلُوا حَدَّ الزِّنَى بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ إِمَّا الْبَيِّنَةُ أَوِ الِاعْتِرَافُ أَوِ الْحَبَلُ، وَاللِّعَانُ لَيْسَ مِنْهَا، فَجَوَابُهُ أَنَّ مُنَازِعِيكُمْ يَقُولُونَ: إِنْ كَانَ إِيجَابُ الْحَدِّ عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ خِلَافًا لِأَقْوَالِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ إِسْقَاطَ الْحَدِّ بِالْحَبَلِ أَدْخَلُ فِي خِلَافِهِمْ وَأَظْهَرُ، فَمَا الَّذِي سَوَّغَ لَكُمْ إِسْقَاطَ حَدٍّ أَوْجَبُوهُ بِالْحَبَلِ، وَصَرِيحٌ مُخَالَفَتُهُمْ، وَحَرَّمَ عَلَى مُنَازِعِيكُمْ مُخَالَفَتَهُمْ فِي إِيجَابِ الْحَدِّ بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُمْ أَعْذَرُ مِنْكُمْ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ لَمْ يُخَالِفُوا صَرِيحَ قَوْلِهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَالَفَةٌ لِمَفْهُومٍ سَكَتُوا عَنْهُ، فَهُوَ مُخَالَفَةٌ لِسُكُوتِهِمْ، وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمْ صَرِيحَ أَقْوَالِهِمْ.

الثَّانِي: أَنَّ غَايَةَ مَا خَالَفُوهُ مَفْهُومٌ قَدْ خَالَفَهُ صَرِيحٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ بِإِيجَابِ الْحَدِّ، فَلَمْ يُخَالِفُوا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمْ مَنْطُوقًا لَا يُعْلَمُ لَهُمْ فِيهِ مُخَالِفٌ الْبَتَّةَ هَاهُنَا، وَهُوَ إِيجَابُ الْحَدِّ بِالْحَبَلِ، فَلَا يُحْفَظُ عَنْ صَحَابِيٍّ قَطُّ مُخَالَفَةُ عمر وعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي إِيجَابِ الْحَدِّ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>