للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ مَذَاهِبَ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْقَذْفِ، هَذَا قَوْلُ أبي عبيد، وَالْجُمْهُورُ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ ومحمد بن أبي صفرة وَطَائِفَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ: لَا يَقَعُ بِاللِّعَانِ فُرْقَةٌ أَلْبَتَّةَ، وَقَالَ ابن أبي صفرة: اللِّعَانُ لَا يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ بَعْدَ اللِّعَانِ، بَلْ هُوَ أَنْشَأَ طَلَاقَهَا، وَنَزَّهَ نَفْسَهُ أَنْ يُمْسِكَ مَنْ قَدِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهَا زَنَتْ، أَوْ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ دَلِيلُ كَذِبٍ بِإِمْسَاكِهَا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلَهُ سُنَّةً، وَنَازَعَ هَؤُلَاءِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا: اللِّعَانُ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ.

أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَقَعُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَإِنْ لَمْ تَلْتَعِنِ الْمَرْأَةُ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهَا فُرْقَةٌ حَاصِلَةٌ بِالْقَوْلِ، فَحَصَلَتْ بِقَوْلِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ كَالطَّلَاقِ. الْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِلِعَانِهِمَا جَمِيعًا، فَإِذَا تَمَّ لِعَانُهُمَا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَفْرِيقُ الْحَاكِمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، اخْتَارَهَا أبو بكر، وَقَوْلُ مالك وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا وَرَدَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَلَا يَكُونَانِ مُتَلَاعِنَيْنِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ تَمَامِ اللِّعَانِ مِنْهُمَا، فَالْقَوْلُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ قَبْلَهُ مُخَالِفٌ لِمَدْلُولِ السُّنَّةِ وَفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ لَفْظَ اللِّعَانِ لَا يَقْتَضِي فُرْقَةً، فَإِنَّهُ إِمَّا أَيْمَانٌ عَلَى زِنَاهَا وَإِمَّا شَهَادَةٌ بِهِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَقْتَضِي فُرْقَةً، وَإِنَّمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ تَمَامِ لِعَانِهِمَا لِمَصْلَحَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، وَجَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا سَكَنًا لِلْآخَرِ، وَقَدْ زَالَ هَذَا بِالْقَذْفِ، وَأَقَامَهَا مَقَامَ الْخِزْيِ وَالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فَقَدْ فَضَحَهَا وَبَهَتَهَا وَرَمَاهَا بِالدَّاءِ الْعُضَالِ، وَنَكَّسَ رَأْسَهَا وَرُءُوسَ قَوْمِهَا، وَهَتَكَهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ. وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَقَدْ أَفْسَدَتْ فِرَاشَهُ وَعَرَّضَتْهُ لِلْفَضِيحَةِ وَالْخِزْيِ وَالْعَارِ بِكَوْنِهِ زَوْجَ بَغِيٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>