وَتَعْلِيقِ وَلَدِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، فَلَا يَحْصُلُ بَعْدَ هَذَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالسَّكَنِ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ بِالنِّكَاحِ، فَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَالتَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَلَا يَتَرَتَّبُ هَذَا عَلَى بَعْضِ اللِّعَانِ كَمَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بَعْضٍ لِعَانُ الزَّوْجِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ فَسْخٌ ثَبَتَ بِأَيْمَانِ مُتَحَالِفَيْنِ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِأَيْمَانِ أَحَدِهِمَا، كَالْفَسْخِ لِتَخَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِتَمَامِ لِعَانِهِمَا وَتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أبي حنيفة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أحمد، وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الخرقي، فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَتَى تَلَاعَنَا وَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا أَبَدًا. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِهِ: فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَحْصُلْ قَبْلَهُ، وَاحْتَجُّوا بِأَنْ عويمرا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا حُجَّةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقْتَضِي إِمْكَانَ إِمْسَاكِهَا.
وَالثَّانِي: وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَلَوْ حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ بِاللِّعَانِ وَحْدَهُ لَمَا ثَبَتَ وَاحِدٌ مِنَ الْأَمْرَيْنِ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ أبو داود.
قَالَ الْمُوقِعُونَ لِلْفُرْقَةِ بِتَمَامِ اللِّعَانِ بِدُونِ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ: اللِّعَانُ مَعْنًى يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ، فَلَمْ يَقِفْ عَلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ كَالرِّضَاعِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ عَلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ لَسَاغَ تَرْكُ التَّفْرِيقِ إِذَا كَرِهَهُ الزَّوْجَانِ، كَالتَّفْرِيقِ بِالْعَيْبِ وَالْإِعْسَارِ، قَالُوا: وَقَوْلُهُ: " فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ" يَحْتَمِلُ أُمُورًا ثَلَاثَةً؛ أَحَدُهَا: إِنْشَاءُ الْفُرْقَةِ. وَالثَّانِي: الْإِعْلَامُ بِهَا. وَالثَّالِثُ: إِلْزَامُهُ بِمُوجَبِهَا مِنَ الْفُرْقَةِ الْحِسِّيَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِمْسَاكَهَا بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute