للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ. فَظَنَّ أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَنْقُولِ عَنْ عمر، فَجَعَلَهَا مَسْأَلَةَ خِلَافٍ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ حُكْمَيْهِمَا لَمْ تَجِدْ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافًا، فَإِنَّ عمر إِنَّمَا أَسْقَطَ عَنْهُ الْقَوَدَ لَمَّا اعْتَرَفَ الْوَلِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا - وَاللَّفْظُ لِصَاحِبِ " الْمُغْنِي ": فَإِنِ اعْتَرَفَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عمر. ثُمَّ سَاقَ الْقِصَّةَ، وَكَلَامُهُ يُعْطِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُحْصِنًا وَغَيْرَ مُحْصِنٍ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ عمر فِي هَذَا الْقَتِيلِ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا: " فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ " وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُحْصِنِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ " الْمُسْتَوْعِبِ " قَدْ قَالَ: وَإِنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنَالُ مِنْهَا مَا يُوجِبُ الرَّجْمَ فَقَتَلَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ بِدَعْوَاهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ، قَالَ: وَفِي عَدَدِ الْبَيِّنَةِ رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا: شَاهِدَانِ، اخْتَارَهَا أبو بكر؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوُجُودِ لَا عَلَى الزِّنَى. وَالْأُخْرَى: لَا يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَتَى قَامَتْ بِذَلِكَ أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْوَلِيُّ سَقَطَ الْقِصَاصُ، مُحْصِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ عَلِيٍّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ: (إِنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ " فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ) وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَيْسَ بِحَدٍّ لِلزَّنَى، وَلَوْ كَانَ حَدًّا لَمَا كَانَ بِالسَّيْفِ، وَلَاعْتُبِرَ لَهُ شُرُوطُ إِقَامَةِ الْحَدِّ وَكَيْفِيَّتُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عُقُوبَةٌ لِمَنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ وَهَتَكَ حَرِيمَهُ وَأَفْسَدَ أَهْلَهُ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنِ الْجَيْشِ وَمَعَهُ جَارِيَةٌ لَهُ فَأَتَاهُ رَجُلَانِ فَقَالَا: أَعْطِنَا شَيْئًا فَأَعْطَاهُمَا طَعَامًا كَانَ مَعَهُ فَقَالَا: خَلِّ عَنِ الْجَارِيَةِ فَضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَكَذَلِكَ مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ مِنْ ثُقْبٍ أَوْ شَقٍّ فِي الْبَابِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَنَظَرَ حُرْمَةً أَوْ عَوْرَةً فَلَهُمْ خَذْفُهُ وَطَعْنُهُ فِي عَيْنِهِ، فَإِنِ انْقَلَعَتْ عَيْنُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ.

قَالَ الْقَاضِي أبو يعلى: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أحمد أَنَّهُمْ يَدْفَعُونَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>