للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ، بَلْ مِنْ بَابِ عُقُوبَةِ الْمُعْتَدِي الْمُؤْذِي، وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قَتْلُ مَنِ اعْتَدَى عَلَى حَرِيمِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْصِنًا أَوْ غَيْرَ مُحْصِنٍ، مَعْرُوفًا بِذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مَعْرُوفٍ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَفَتَاوَى الصَّحَابَةِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: يَسَعُهُ قَتْلُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا كَانَ الزَّانِي مُحْصِنًا، جَعَلَاهُ مِنْ بَابِ الْحُدُودِ.

وَقَالَ أحمد وإسحاق: يُهْدَرُ دَمُهُ إِذَا جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ، وَلَمْ يَفْصِلَا بَيْنَ الْمُحْصِنِ وَغَيْرِهِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مالك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ ابن حبيب: إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُحْصِنًا وَأَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا قُتِلَ بِهِ، وَقَالَ ابن القاسم: إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ فَالْمُحْصِنُ وَغَيْرُ الْمُحْصِنِ سَوَاءٌ، وَيُهْدَرُ دَمُهُ، وَاسْتَحَبَّ ابن القاسم الدِّيَةَ فِي غَيْرِ الْمُحْصِنِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا " فَقَالَ سعد: بَلَى وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ» )

وَفِي اللَّفْظِ الْآخَرِ: ( «إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي؟» )

قُلْنَا: نَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْقَوْلِ بِمُوجَبِهِ، وَآخِرُ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يُقَدْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: بَلَى وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالْحَقِّ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ لَمَا أَقَرَّهُ عَلَى هَذَا الْحَلِفِ، وَلَمَا أَثْنَى عَلَى غَيْرَتِهِ، وَلَقَالَ: لَوْ قَتَلْتَهُ قُتِلْتَ بِهِ.

وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَرِيحٌ فِي هَذَا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>