للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ، وَلَوْ كَانَتْ كَمَا يَقُولُ الْمُنَازِعُونَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ كَالْكِهَانَةِ وَنَحْوِهَا لَمَا سُرَّ بِهَا وَلَا أُعْجِبَ بِهَا، وَلَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْكِهَانَةِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ وَعِيدُ مَنْ صَدَّقَ كَاهِنًا.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَهُ عِلْمًا وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَلَوْ كَانَ خَطَأً لَأَنْكَرَهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ وَنَفْيَ الْأَنْسَابِ، انْتَهَى.

كَيْفَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَرَّحَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِصِحَّتِهَا وَاعْتِبَارِهَا، فَقَالَ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ: ( «إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لهلال بن أمية، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لشريك ابن سحماء» ) فَلَمَّا جَاءَتْ بِهِ عَلَى شَبَهِ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ قَالَ: ( «لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» ) وَهَلْ هَذَا إِلَّا اعْتِبَارٌ لِلشَّبَهِ وَهُوَ عَيْنُ الْقَافَةِ، فَإِنَّ الْقَائِفَ يَتْبَعُ أَثَرَ الشَّبَهِ وَيَنْظُرُ إِلَى مَنْ يَتَّصِلُ، فَيَحْكُمُ بِهِ لِصَاحِبِ الشَّبَهِ، وَقَدِ اعْتَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّبَهَ وَبَيَّنَ سَبَبَهُ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَتْ لَهُ أم سلمة: أَوَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ " مِمَّ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ ".

وَأَخْبَرَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ( «أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ إِذَا سَبَقَ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا مَاءَهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهَا» )

فَهَذَا اعْتِبَارٌ مِنْهُ لِلشَّبَهِ شَرْعًا وَقَدْرًا، وَهَذَا أَقْوَى مَا يَكُونُ مِنْ طُرُقِ الْأَحْكَامِ، أَنْ يَتَوَارَدَ عَلَيْهِ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَالشَّرْعُ وَالْقَدْرُ، وَلِهَذَا تَبِعَهُ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ فِي الْحُكْمِ بِالْقَافَةِ.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا سفيان، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>