فَهُوَ مِنْ أَنْدَرِ شَيْءٍ وَأَقَلِّهِ، وَالْأَحْكَامُ إِنَّمَا هِيَ لِلْغَالِبِ الْكَثِيرِ، وَالنَّادِرُ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ. وَأَمَّا قِصَّةُ مَنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا أَسْوَدَ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا النَّاسَ اعْتِبَارُ الشَّبَهِ، وَأَنَّ خِلَافَهُ يُوجِبُ رِيبَةً، وَأَنَّ فِي طِبَاعِ الْخَلْقِ إِنْكَارَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمَّا عَارَضَ ذَلِكَ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ الْفِرَاشُ كَانَ الْحُكْمُ لِلدَّلِيلِ الْقَوِيِّ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ نَحْنُ وَسَائِرُ النَّاسِ: إِنَّ الْفِرَاشَ الصَّحِيحَ إِذَا كَانَ قَائِمًا فَلَا يُعَارَضُ بِقَافَةٍ وَلَا شَبَهٍ، فَمُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الشَّبَهِ لِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ - وَهُوَ الْفِرَاشُ - غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَنْكَرُ مُخَالَفَةُ هَذَا الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ شَيْءٍ.
وَأَمَّا تَقْدِيمُ اللِّعَانِ عَلَى الشَّبَهِ وَإِلْغَاءُ الشَّبَهِ مَعَ وُجُودِهِ، فَكَذَلِكَ أَيْضًا هُوَ مِنْ تَقْدِيمِ أَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالشَّبَهِ مَعَ عَدَمِ مَا يُعَارِضُهُ، كَالْبَيِّنَةِ تُقَدَّمُ عَلَى الْيَدِ وَالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَيُعْمَلُ بِهِمَا عِنْدَ عَدَمِهِمَا.
وَأَمَّا ثُبُوتُ نَسَبِ أسامة مِنْ زيد بِدُونِ الْقِيَافَةِ، فَنَحْنُ لَمْ نُثْبِتْ نَسَبَهُ بِالْقِيَافَةِ، وَالْقِيَافَةُ دَلِيلٌ آخَرُ مُوَافِقٌ لِدَلِيلِ الْفِرَاشِ، فَسُرُورُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَحُهُ بِهَا وَاسْتِبْشَارُهُ لِتَعَاضُدِ أَدِلَّةِ النَّسَبِ وَتَضَافُرِهَا، لَا لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ بِقَوْلِ الْقَائِفِ وَحْدَهُ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْفَرَحِ بِظُهُورِ أَعْلَامِ الْحَقِّ وَأَدِلَّتِهِ وَتَكَاثُرِهَا، وَلَوْ لَمْ تَصْلُحِ الْقِيَافَةُ دَلِيلًا لَمْ يَفْرَحْ بِهَا وَلَمْ يُسَرَّ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْرَحُ وَيُسَرُّ إِذَا تَعَاضَدَتْ عِنْدَهُ أَدِلَّةُ الْحَقِّ، وَيُخْبِرُ بِهَا الصَّحَابَةَ، وَيُحِبُّ أَنْ يَسْمَعُوهَا مِنَ الْمُخْبِرِ بِهَا؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَزْدَادُ تَصْدِيقًا بِالْحَقِّ إِذَا تَعَاضَدَتْ أَدِلَّتُهُ وَتُسَرُّ بِهِ وَتَفْرَحُ، وَعَلَى هَذَا فَطَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ، فَهَذَا حُكْمٌ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ وَالشِّرْعَةُ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عمر أَنَّهُ قَالَ: وَالِ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَلَا تُعْرَفُ صِحَّتُهُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute