الْجِسْمِ مَا لَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ مَانِعٌ؛ وَلِهَذَا أَلْهَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الدَّوَابَّ إِذَا حَمَلَتْ أَنْ لَا تُمَكِّنَ الْفَحْلَ أَنْ يَنْزُوَ عَلَيْهَا، بَلْ تَنْفِرُ عَنْهُ كُلَّ النِّفَارِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إِنَّ الْوَطْءَ الثَّانِيَ يَزِيدُ فِي سَمْعِ الْوَلَدِ وَبَصَرِهِ، وَقَدْ شَبَّهَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَقْيِ الزَّرْعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ سَقْيَهُ يَزِيدُ فِي ذَاتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى حُكْمِ اسْتِلْحَاقِ الْوَلَدِ، وَعَلَى أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ، فَمَا تَقُولُونَ لَوِ اسْتَلْحَقَ الزَّانِي وَلَدًا لَا فِرَاشَ هُنَاكَ يُعَارِضُهُ، هَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ وَيَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ النَّسَبِ؟
قِيلَ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ جَلِيلَةٌ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا، فَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْمَوْلُودَ مِنَ الزِّنَى إِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْلُودًا عَلَى فِرَاشٍ يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ، وَادَّعَاهُ الزَّانِي - أُلْحِقَ بِهِ، وَأُوِّلَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ) عَلَى أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ عِنْدَ تَنَازُعِ الزَّانِي وَصَاحِبِ الْفِرَاشِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، رَوَاهُ عَنْهُ إسحاق بِإِسْنَادِهِ فِي رَجُلٍ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَوَلَدَتْ وَلَدًا، فَادَّعَى وَلَدَهَا فَقَالَ: يُجْلَدُ وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ. وَهَذَا مَذْهَبُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، ذَكَرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: (أَيُّمَا رَجُلٍ أَتَى إِلَى غُلَامٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنٌ لَهُ، وَأَنَّهُ زَنَى بِأُمِّهِ، وَلَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ الْغُلَامَ أَحَدٌ، فَهُوَ ابْنُهُ) . وَاحْتَجَّ سليمان بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُلِيطُ أَوْلَادَ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنِ ادَّعَاهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ كَمَا تَرَاهُ قُوَّةً وَوُضُوحًا، وَلَيْسَ مَعَ الْجُمْهُورِ أَكْثَرُ مِنْ ( «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ) وَصَاحِبُ هَذَا الْمَذْهَبِ أَوَّلُ قَائِلٍ بِهِ، وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ يَقْتَضِيهِ، فَإِنَّ الْأَبَ أَحَدُ الزَّانِيَيْنِ، وَهُوَ إِذَا كَانَ يُلْحَقُ بِأُمِّهِ، وَيُنْسَبُ إِلَيْهَا، وَتَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقَارِبِ أُمِّهِ مَعَ كَوْنِهَا زَنَتْ بِهِ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute