وَالْعَمَّةُ عَلَى الْعَمِّ، وَالْخَالَةُ عَلَى الْخَالِ، وَالْجَدَّةُ عَلَى الْجَدِّ، وَأَصْلُهُ تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ.
وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْقَرَابَةُ، قُدِّمَتْ قَرَابَةُ الْأَبِ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمِّ، فَتُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ، وَالْعَمَّةُ عَلَى الْخَالَةِ، وَعَمَّةُ الْأَبِ عَلَى خَالَتِهِ، وَهَلُمَّ جَرًّا.
وَهَذَا هُوَ الِاعْتِبَارُ الصَّحِيحُ وَالْقِيَاسُ الْمُطَّرِدُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَضَى بِهِ سَيِّدُ قُضَاةِ الْإِسْلَامِ شريح، كَمَا رَوَى وَكِيعٌ فِي " مُصَنَّفِهِ " عَنِ الحسن بن عقبة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: اخْتَصَمَ عَمٌّ وَخَالٌ إِلَى شريح فِي طِفْلٍ، فَقَضَى بِهِ لِلْعَمِّ، فَقَالَ الْخَالُ: أَنَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِي، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ شريح.
وَمَنْ سَلَكَ غَيْرَ هَذَا الْمَسْلَكِ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنَ التَّنَاقُضِ، مِثَالُهُ: أَنَّ الثَّلَاثَةَ وأحمد فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ يُقَدِّمُونَ أُمَّ الْأُمِّ عَلَى أُمِّ الْأَبِ، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ، وأحمد فِي الْمَنْصُوصِ عَنْهُ: تُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ، فَتَرَكُوا الْقِيَاسَ، وَطَرَدَهُ أبو حنيفة والمزني وابن سريج فَقَالُوا: تُقَدَّمُ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ. قَالُوا: لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ بِالْأَبِ، فَلَمَّا قُدِّمَتِ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ قُدِّمَ مَنْ يُدْلِي بِهَا عَلَى مَنْ يُدْلِي بِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا أَشَدُّ تَنَاقُضًا مِنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ جَرَوْا عَلَى الْقِيَاسِ وَالْأُصُولِ فِي تَقْدِيمِ قَرَابَةِ الْأَبِ عَلَى قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَخَالَفُوا ذَلِكَ فِي أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ، وَهَؤُلَاءِ تَرَكُوا الْقِيَاسَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَدَّمُوا الْقَرَابَةَ الَّتِي أَخَّرَهَا الشَّرْعُ، وَأَخَّرُوا الْقَرَابَةَ الَّتِي قَدَّمَهَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ تَقْدِيمُهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَقَدَّمُوهَا فِي مَوْضِعٍ، وَأَخَّرُوهَا فِي غَيْرِهِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا، وَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ الْخَالَةَ عَلَى الْعَمَّةِ مَعَ تَقْدِيمِهِ الْأُخْتَ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ، وَطُرِدَ قِيَاسُهُ فِي تَقْدِيمِ أُمِّ الْأُمِّ عَلَى أُمِّ الْأَبِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ، وَالْخَالَةِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْعَمَّةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَدَّمَ مِنْ أَصْحَابِ أحمد الْخَالَةَ عَلَى الْعَمَّةِ، وَقَدَّمَ الْأُخْتَ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ، كَقَوْلِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، وَصَاحِبِ " الْمُغْنِي ": فَقَدْ تَنَاقَضُوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute