فَإِنْ قِيلَ: الْخَالَةُ تُدْلِي بِالْأُمِّ، وَالْعَمَّةُ تُدْلِي بِالْأَبِ، فَكَمَا قُدِّمَتِ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ، قُدِّمَ مَنْ يُدْلِي بِهَا، وَيَزِيدُهُ بَيَانًا كَوْنُ الْخَالَةِ أُمًّا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْعَمَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ.
قِيلَ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمِ الْأُمَّ عَلَى الْأَبِ لِقُوَّةِ الْأُمُومَةِ وَتَقْدِيمِ هَذِهِ الْجِهَةِ، بَلْ لِكَوْنِهَا أُنْثَى، فَإِذَا وُجِدَ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ فَالْمَعْنَى الَّذِي قُدِّمَتْ لَهُ الْأُمُّ مَوْجُودٌ فِيهِمَا، وَامْتَازَتِ الْعَمَّةُ بِأَنَّهَا تُدْلِي بِأَقْوَى الْقَرَابَتَيْنِ، وَهِيَ قُرَابَةُ الْأَبِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «قَضَى بابنة حمزة لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: الْخَالَةُ أُمٌّ» ) حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُزَاحِمٌ مِنْ أَقَارِبِ الْأَبِ تُسَاوِيهَا فِي دَرَجَتِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ كَانَ لَهَا عَمَّةٌ وَهِيَ صفية بنت عبد المطلب أُخْتُ حمزة، وَكَانَتْ إِذْ ذَاكَ مَوْجُودَةً فِي الْمَدِينَةِ، فَإِنَّهَا هَاجَرَتْ، وَشَهِدَتِ الْخَنْدَقَ، وَقَتَلَتْ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ كَانَ يُطِيفُ بِالْحِصْنِ الَّذِي هِيَ فِيهِ، وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَبَقِيَتْ إِلَى خِلَافَةِ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَالَةَ عَلَيْهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ مَنْ فِي جِهَةِ الْأُمِّ عَلَى مَنْ فِي جِهَةِ الْأَبِ.
قِيلَ إِنَّمَا يَدُلُّ هَذَا إِذَا كَانَتْ صفية قَدْ نَازَعَتْ مَعَهُمْ وَطَلَبَتِ الْحَضَانَةَ فَلَمْ يَقْضِ لَهَا بِهَا بَعْدَ طَلَبِهَا وَقَدَّمَ عَلَيْهَا الْخَالَةَ، هَذَا إِذَا كَانَتْ لَمْ تُمْنَعْ مِنْهَا لِعَجْزِهَا عَنْهَا، فَإِنَّهَا تُوُفِّيَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ عَنْ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، فَيَكُونُ لَهَا وَقْتَ هَذِهِ الْحُكُومَةِ بِضْعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَرَكَتْهَا لِعَجْزِهَا عَنْهَا، وَلَمْ تَطْلُبْهَا مَعَ قُدْرَتِهَا، وَالْحَضَانَةُ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ، فَإِذَا تَرَكَتْهَا، انْتَقَلَتْ إِلَى غَيْرِهَا.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَإِنَّمَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى تَقْدِيمِ الْخَالَةِ عَلَى الْعَمَّةِ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ صفية خَاصَمَتْ فِي ابْنَةِ أَخِيهَا وَطَلَبَتْ كَفَالَتَهَا، فَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَالَةَ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute