للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوِ اشْتُرِطَ فِي الْحَاضِنِ الْعَدَالَةُ لَضَاعَ أَطْفَالُ الْعَالَمِ، وَلَعَظُمَتِ الْمَشَقَّةُ عَلَى الْأُمَّةِ، وَاشْتَدَّ الْعَنَتُ، وَلَمْ يَزَلْ مِنْ حِينِ قَامَ الْإِسْلَامُ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ أَطْفَالُ الْفُسَّاقِ بَيْنَهُمْ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا، مَعَ كَوْنِهِمُ الْأَكْثَرِينَ. وَمَتَى وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ انْتِزَاعُ الطِّفْلِ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِفِسْقِهِ؟ وَهَذَا فِي الْحَرَجِ وَالْعُسْرِ - وَاسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ الْمُتَّصِلِ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ عَلَى خِلَافِهِ - بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ دَائِمُ الْوُقُوعِ فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ وَالْقُرَى وَالْبَوَادِي، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ يَلُونَ ذَلِكَ فُسَّاقٌ، وَلَمْ يَزَلِ الْفِسْقُ فِي النَّاسِ، وَلَمْ يَمْنَعِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَاسِقًا مِنْ تَرْبِيَةِ ابْنِهِ وَحَضَانَتِهِ لَهُ، وَلَا مِنْ تَزْوِيجِهِ مُوَلِّيَتَهُ، وَالْعَادَةُ شَاهِدَةٌ بِأَنَّ الرَّجُلَ وَلَوْ كَانَ مِنَ الْفُسَّاقِ فَإِنَّهُ يَحْتَاطُ لِابْنَتِهِ وَلَا يُضَيِّعُهَا، وَيَحْرِصُ عَلَى الْخَيْرِ لَهَا بِجَهْدِهِ، وَإِنْ قُدِّرَ خِلَافُ ذَلِكَ، فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُعْتَادِ، وَالشَّارِعُ يَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِالْبَاعِثِ الطَّبِيعِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْفَاسِقُ مَسْلُوبَ الْحَضَانَةِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ لَكَانَ بَيَانُ هَذَا لِلْأُمَّةِ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ، وَاعْتِنَاءُ الْأُمَّةِ بِنَقْلِهِ وَتَوَارُثُ الْعَمَلِ بِهِ مُقَدَّمًا عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا نَقَلُوهُ وَتَوَارَثُوا الْعَمَلَ بِهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ تَضْيِيعُهُ وَاتِّصَالُ الْعَمَلِ بِخِلَافِهِ. وَلَوْ كَانَ الْفِسْقُ يُنَافِي الْحَضَانَةَ لَكَانَ مَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ أَتَى كَبِيرَةً فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْتُمِسَ لَهُمْ غَيْرُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

نَعَمْ، الْعَقْلُ مُشْتَرَطٌ فِي الْحَضَانَةِ، فَلَا حَضَانَةَ لِمَجْنُونٍ وَلَا مَعْتُوهٍ وَلَا طِفْلٍ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ إِلَى مَنْ يَحْضُنُهُمْ وَيَكْفُلُهُمْ، فَكَيْفَ يَكُونُونَ كَافِلِينَ لِغَيْرِهِمْ.

وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ، فَلَا يَنْتَهِضُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ يَرْكَنُ الْقَلْبُ إِلَيْهِ، وَقَدِ اشْتَرَطَهُ أَصْحَابُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ مالك فِي حُرٍّ لَهُ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ: إِنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِهِ إِلَّا أَنْ تُبَاعَ فَتَنْتَقِلَ، فَيَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بِهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>