للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتَشْكَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ هَذَا وَهَذَا، فَإِنَّ الْقَضَاءَ إِنْ كَانَ لجعفر فَلَيْسَ مَحْرَمًا لَهَا، وَهُوَ وعلي فِي الْقَرَابَةِ مِنْهَا سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْخَالَةِ فَهِيَ مُزَوَّجَةٌ، وَالْحَاضِنَةُ إِذَا تَزَوَّجَتْ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا، وَلَمَّا ضَاقَ هَذَا عَلَى ابْنِ حَزْمٍ طَعَنَ فِي الْقِصَّةِ بِجَمِيعِ طُرُقِهَا. وَقَالَ أَمَّا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ فَمِنْ رِوَايَةِ إسرائيل، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ هانئ وهبيرة فَمَجْهُولَانِ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَمُرْسَلٌ، وأبو فروة الرَّاوِي عَنْهُ هُوَ مسلم بن سالم الجهني لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا حَدِيثُ نافع بن عجير فَهُوَ وَأَبُوهُ مَجْهُولَانِ، وَلَا حُجَّةَ فِي مَجْهُولٍ، قَالَ: إِلَّا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ بِكُلِّ وَجْهِ حُجَّةٌ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ خَالَتَهَا كَانَتْ مُزَوَّجَةً بجعفر، وَهُوَ أَجْمَلُ شَابٍّ فِي قُرَيْشٍ، وَلَيْسَ هُوَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ بِنْتِ حمزة. قَالَ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ قَضَاءَهُ بِهَا لجعفر مِنْ أَجْلِ خَالَتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْفَظُ لَهَا.

قُلْتُ وَهَذَا مِنْ تَهَوُّرِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِقْدَامِهِ عَلَى تَضْعِيفِ مَا اتَّفَقَتِ النَّاسُ عَلَى صِحَّتِهِ، فَخَالَفَهُمْ وَحْدَهُ، فَإِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ شُهْرَتُهَا فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ وَالسِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ تُغْنِي عَنْ إِسْنَادِهَا، فَكَيْفَ وَقَدِ اتَّفَقَ عَلَيْهَا صَاحِبُ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ الطَّعْنُ فِيهَا الْبَتَّةَ، وَقَوْلُهُ: إسرائيل ضَعِيفٌ، فَالَّذِي غَرَّهُ فِي ذَلِكَ تَضْعِيفُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ لَهُ، وَلَكِنْ أَبَى ذَلِكَ سَائِرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَاحْتَجُّوا بِهِ، وَوَثَّقُوهُ وَثَبَّتُوهُ، قَالَ أحمد: ثِقَةٌ وَتَعَجَّبَ مِنْ حِفْظِهِ، وَقَالَ أبو حاتم. وَهُوَ مِنْ أَتْقَنِ أَصْحَابِ أبي إسحاق، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أبي إسحاق، وَكَانَ يَحْفَظُ حَدِيثَهُ كَمَا يَحْفَظُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَرَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ مُحْتَجِّينَ بِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ هانئا وهبيرة مَجْهُولَانِ، فَنَعَمْ مَجْهُولَانِ عِنْدَهُ، مَعْرُوفَانِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَنِ، وَثَّقَهُمَا الْحُفَّاظُ، فَقَالَ النَّسَائِيُّ: هانئ بن هانئ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وهبيرة رَوَى لَهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَقَدْ وُثِّقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>