لِلْمَعْرُوفِ، وَإِيجَابُ قَدْرِ الْكِفَايَةِ مِمَّا يَأْكُلُ الرَّجُلُ وَوَلَدُهُ وَرَقِيقُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ أَوْ مِنْ رِطْلَيْ خُبْزٍ إِنْفَاقٌ بِالْمَعْرُوفِ، فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْوَاجِبَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْحَبَّ يُحْتَاجُ إِلَى طَحْنِهِ وَخَبْزِهِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ، فَإِنْ أَخْرَجَتْ ذَلِكَ مِنْ مَالِهَا، لَمْ تَحْصُلِ الْكِفَايَةُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجِ، وَإِنْ فَرَضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَهَا مِنْ مَالِهِ كَانَ الْوَاجِبُ حَبًّا وَدَرَاهِمَ، وَلَوْ طَلَبَتْ مَكَانَ الْخُبْزِ دَرَاهِمَ أَوْ حَبًّا أَوْ دَقِيقًا أَوْ غَيْرَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ، وَلَوْ عَرَضَ عَلَيْهَا ذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ، فَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى قَبُولِهَا، وَيَجُوزُ تَرَاضِيهِمَا عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
وَالَّذِينَ قَدَّرُوا النَّفَقَةَ اخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهَا بِالْحَبِّ، وَهُوَ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ: نَفَقَةُ الْفَقِيرِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يُدْفَعُ فِي الْكَفَّارَةِ إِلَى الْوَاحِدِ مُدٌّ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ اعْتَبَرَ الْكَفَّارَةَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْأَهْلِ، فَقَالَ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: ٨٩] [الْمَائِدَةِ: ٨٩] ، قَالَ: وَعَلَى الْمُوسِرِ مُدَّانِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْوَاحِدِ مُدَّانِ فِي كَفَّارَةِ الْأَذَى، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفٌ، نِصْفُ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ، وَنِصْفُ نَفَقَةِ الْفَقِيرِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: مُقَدَّرَةٌ بِمِقْدَارٍ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَالْوَاجِبُ رِطْلَانِ مِنَ الْخُبْزِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ اعْتِبَارًا بِالْكَفَّارَاتِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوسِرَ وَالْمُعْسِرَ سَوَاءٌ فِي قَدْرِ الْمَأْكُولِ وَمَا تَقُومُ بِهِ الْبِنْيَةُ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي جَوْدَتِهِ، فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ.
وَالْجُمْهُورُ قَالُوا: لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَطُّ تَقْدِيرُ النَّفَقَةِ، لَا بِمُدٍّ وَلَا بِرِطْلٍ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْهُمْ بَلِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ الْعَمَلُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ مَا ذَكَرْنَاهُ.
قَالُوا: وَمَنِ الَّذِي سَلَّمَ لَكُمُ التَّقْدِيرَ بِالْمُدِّ وَالرِّطْلِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْكَفَّارَةِ الْإِطْعَامُ فَقَطْ لَا التَّمْلِيكُ؟ قَالَ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute