وَالثَّالِثُ: تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ دُونَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وأحمد ومالك. ثُمَّ الَّذِينَ أَسْقَطُوهُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِذَا كَانَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا لَمْ تَسْقُطْ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُؤَثِّرُ فَرْضُ الْحَاكِمِ فِي وُجُوبِهَا شَيْئًا إِذَا سَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ أبو البركات فِي " مُحَرَّرِهِ " الْفَرْقُ بَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَإِذَا غَابَ مُدَّةً وَلَمْ يُنْفِقْ لَزِمَهُ نَفَقَةُ الْمَاضِي، وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا.
وَأَمَّا نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ فُرِضَتْ إِلَّا أَنْ يُسْتَدَانَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِفَرْضِ الْحَاكِمِ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ نَقْلًا وَتَوْجِيهًا، أَمَّا النَّقْلُ: فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أحمد وَلَا عَنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ اسْتِقْرَارُ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ إِذَا فَرَضَهَا الْحَاكِمُ، وَلَا عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ وَالْمُحَقِّقِينَ لِمَذْهَبِهِ مِنْهُمْ كَصَاحِبِ " الْمُهَذَّبِ " وَ " الْحَاوِي " وَ " الشَّامِلِ " وَ " النِّهَايَةِ " وَ " التَّهْذِيبِ " وَ " الْبَيَانِ " وَ " الذَّخَائِرِ "، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ إِلَّا السُّقُوطُ بِدُونِ اسْتِثْنَاءِ فَرْضٍ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ اسْتِقْرَارُهَا إِذَا فَرَضَهَا الْحَاكِمُ فِي " الْوَسِيطِ " وَ " الْوَجِيزِ " وَشَرْحِ الرافعي وَفُرُوعِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ نصر المقدسي فِي " تَهْذِيبِهِ " والمحاملي فِي " الْعُدَّةِ " ومحمد بن عثمان فِي " التَّمْهِيدِ " والبندنيجي فِي " الْمُعْتَمَدِ " بِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ وَلَوْ فَرَضَهَا الْحَاكِمُ، وَعَلَّلُوا السُّقُوطَ بِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاسَاةِ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُوجِبُ سُقُوطَهَا، فُرِضَتْ أَوْ لَمْ تُفْرَضْ. وَقَالَ أبو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute