للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعالي: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ إِمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ، وَمَا لَا يَجِبُ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَانْتَهَى إِلَى الْكِفَايَةِ اسْتَحَالَ مَصِيرُهُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَاسْتُبْعِدَ لِهَذَا التَّعْلِيلِ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ تَسْتَقِرُّ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَبَالَغَ فِي تَضْعِيفِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إِيجَابَ الْكِفَايَةِ مَعَ إِيجَابِ عِوَضِ مَا مَضَى مُتَنَاقِضٌ، ثُمَّ اعْتَذَرَ عَنْ تَقْدِيرِهَا فِي صُورَةِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصَحِّ. إِذَا قُلْنَا: إِنَّ النَّفَقَةَ لَهُ بِأَنَّ الْحَامِلَ مُسْتَحِقَّةٌ لَهَا أَوْ مُنْتَفِعَةٌ بِهَا فَهِيَ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. قَالَ: وَلِهَذَا قُلْنَا: تَتَقَدَّرُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا فِي الْحَمْلِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، أَمَّا نَفَقَةُ غَيْرِهِمَا فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا أَصْلًا. انْتَهَى.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّ فِي تَصَوُّرِ فَرْضِ الْحَاكِمِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَعْتَقِدَ سُقُوطَهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُهُ لَمْ يَسُغْ لَهُ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ، وَإِلْزَامُ مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ سُقُوطَهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ بِهِ قَائِلٌ إِلَّا فِي الطِّفْلِ الصَّغِيرِ عَلَى وَجْهٍ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. فَإِمَّا أَنْ يَعْنِيَ بِالْفَرْضِ الْإِيجَابَ، أَوْ إِثْبَاتَ الْوَاجِبِ، أَوْ تَقْدِيرَهُ أَوْ أَمْرًا رَابِعًا، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِيجَابُ فَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَلَا أَثَرَ لِفَرْضِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أُرِيدَ بِهِ إِثْبَاتُ الْوَاجِبِ فَفَرْضُهُ وَعَدَمُهُ سِيَّانِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ تَقْدِيرُ الْوَاجِبِ فَالتَّقْدِيرُ إِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي صِفَةِ الْوَاجِبِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لَا فِي سُقُوطِهِ وَلَا ثُبُوتِهِ، فَلَا أَثَرَ لِفَرْضِهِ فِي الْوَاجِبِ أَلْبَتَّةَ، هَذَا مَعَ مَا فِي التَّقْدِيرِ مِنْ مُصَادَمَةِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ النَّفَقَةُ بِالْمَعْرُوفِ فَيُطْعِمُهُمْ مِمَّا يَأْكُلُ وَيَكْسُوهُمْ مِمَّا يَلْبَسُ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَمْرٌ رَابِعٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْأَمْرُ الرَّابِعُ الْمُرَادُ هُوَ عَدَمُ السُّقُوطِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ وَهُوَ الَّذِي أَثَّرَ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَتَعَلَّقَ بِهِ. قِيلَ: فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَقِدَ السُّقُوطَ ثُمَّ يُلْزِمُ وَيَقْضِي بِخِلَافِهِ؟ وَإِنِ اعْتَقَدَ عَدَمَ السُّقُوطِ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ، فَإِذَا كَانَتْ صِفَةُ هَذَا الْوَاجِبِ سُقُوطَهُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ شَرْعًا لَمْ يُزِلْهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ عَنْ صِفَتِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: بَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ الْحَاكِمُ السُّقُوطَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ مَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>