للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَفْرِضْ، فَإِنْ فُرِضَتِ اسْتَقَرَّتْ فَهُوَ يَحْكُمُ بِاسْتِقْرَارِهَا لِأَجْلِ الْفَرْضِ لَا بِنَفْسِ مُضِيِّ الزَّمَانِ.

قِيلَ: هَذَا لَا يُجْدِي شَيْئًا، فَإِنَّهُ إِذَا اعْتَقَدَ سُقُوطَهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَإِنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَالشَّرْعُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ بِمَا يَعْتَقِدُ سُقُوطَهُ وَعَدَمَ ثُبُوتِهِ، وَمَا هَذَا إِلَّا بِمَثَابَةِ مَا لَوْ تَرَافَعَ إِلَيْهِ مُضْطَرٌّ وَصَاحِبُ طَعَامٍ غَيْرُ مُضْطَرٍّ، فَقُضِيَ بِهِ لِلْمُضْطَرِّ بِعِوَضِهِ، فَلَمْ يَتَّفِقْ أَخْذُهُ حَتَّى زَالَ الِاضْطِرَارُ، وَلَمْ يُعْطِ صَاحِبَهُ الْعِوَضَ، أَنَّهُ يُلْزِمُهُ بِالْعِوَضِ وَيُلْزَمُ صَاحِبُ الطَّعَامِ بِبَذْلِهِ لَهُ، وَالْقَرِيبُ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِإِحْيَاءِ مُهْجَتِهِ، فَإِذَا مَضَى زَمَنُ الْوُجُوبِ حَصَلَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ مِنْ إِحْيَائِهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الرُّجُوعِ بِمَا فَاتَ مِنْ سَبَبِ الْإِحْيَاءِ وَوَسِيلَتِهِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ السَّبَبِ بِسَبَبٍ آخَرَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يَنْتَقِضُ عَلَيْكُمْ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا تَسْتَقِرُّ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَلَوْ لَمْ تُفْرَضْ مَعَ حُصُولِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ بِعَيْنِهِ.

قِيلَ: النَّقْضُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْلُومِ الْحُكْمِ بِالنَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ، وَسُقُوطُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ، فأبو حنيفة وأحمد فِي رِوَايَةٍ يُسْقِطَانِهَا، وَالشَّافِعِيُّ وأحمد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يُسْقِطَانِهَا، وَالَّذِينَ لَا يُسْقِطُونَهَا فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِفُرُوقٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ صِلَةٌ.

الثَّانِي: أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَجِبُ مَعَ اسْتِغْنَائِهَا بِمَالِهَا، وَنَفَقَةَ الْقَرِيبِ لَا تَجِبُ إِلَّا مَعَ إِعْسَارِهِ وَحَاجَتِهِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْجَبُوا لِلزَّوْجَةِ نَفَقَةَ مَا مَضَى، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَطُّ أَنَّهُ أَوْجَبَ لِلْقَرِيبِ نَفَقَةَ مَا مَضَى، فَصَحَّ عَنْ عمر

<<  <  ج: ص:  >  >>