- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى، وَلَمْ يُخَالِفْ عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ. قَالَ ابن المنذر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذِهِ نَفَقَةٌ وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَزُولُ مَا وَجَبَ بِهَذِهِ الْحُجَجِ إِلَّا بِمِثْلِهَا.
قَالَ الْمُسْقِطُونَ: قَدْ شَكَتْ هند إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أبا سفيان لَا يُعْطِيهَا كِفَايَتَهَا، فَأَبَاحَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَدْرَ الْكِفَايَةِ، وَلَمْ يُجَوِّزْ لَهَا أَخْذَ مَا مَضَى، وَقَوْلُكُمْ: إِنَّهَا نَفَقَةُ مُعَاوَضَةٍ، فَالْمُعَاوَضَةُ إِنَّمَا هِيَ بِالصَّدَاقِ، وَإِنَّمَا النَّفَقَةُ لِكَوْنِهَا فِي حَبْسِهِ فَهِيَ عَانِيَةٌ عِنْدَهُ كَالْأَسِيرِ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ عِيَالِهِ، وَنَفَقَتُهَا مُوَاسَاةٌ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لِلْآخَرِ، وَقَدْ عَاوَضَهَا عَلَى الْمَهْرِ، فَإِذَا اسْتَغْنَتْ عَنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى فَلَا وَجْهَ لِإِلْزَامِ الزَّوْجِ بِهِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِالْمَعْرُوفِ وَكَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ، فَالْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ إِنَّمَا وَجَبَتْ بِالْمَعْرُوفِ مُوَاسَاةً لِإِحْيَاءِ نَفْسِ مَنْ هُوَ فِي مِلْكِهِ وَحَبْسِهِ، وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ رَحِمٌ وَقَرَابَةٌ، فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا وَجْهَ لِإِلْزَامِ الزَّوْجِ بِهَا، وَأَيُّ مَعْرُوفٍ فِي إِلْزَامِهِ نَفَقَةَ مَا مَضَى وَحَبْسِهِ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ وَتَعْذِيبِهِ بِطُولِ الْحَبْسِ، وَتَعْرِيضِ الزَّوْجَةِ لِقَضَاءِ أَوْطَارِهَا مِنَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَعِشْرَةِ الْأَخْدَانِ بِانْقِطَاعِ زَوْجِهَا عَنْهَا وَغَيْبَةِ نَظَرِهِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْفَسَادِ الْمُنْتَشِرِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى إِنَّ الْفُرُوجَ لَتَعُجُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ حَبْسِ حُمَاتِهَا وَمَنْ يَصُونُهَا عَنْهَا، وَتَسْيِيبِهَا فِي أَوْطَارِهَا، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ شَرْعُ اللَّهِ لِهَذَا الْفَسَادِ الَّذِي قَدِ اسْتَطَارَ شَرَارُهُ وَاسْتَعَرَتْ نَارُهُ، وَإِنَّمَا أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْأَزْوَاجَ إِذَا طَلَّقُوا أَنْ يَبْعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ إِذَا قَدِمُوا أَنْ يَفْرِضُوا نَفَقَةَ مَا مَضَى، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ صَحَابِيٍّ أَلْبَتَّةَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْإِلْزَامِ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِطَاعِهَا بِالْكُلِّيَّةِ الْإِلْزَامُ بِهَا إِذَا عَادَ الزَّوْجُ إِلَى النَّفَقَةِ وَالْإِقَامَةِ، وَاسْتَقْبَلَ الزَّوْجَةَ بِكُلِّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَاعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمِ فَهِيَ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَمَا مَضَى فَقَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute