وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ، لَكِنْ يَرْفَعُ الزَّوْجُ يَدَهُ عَنْهَا لِتَكْتَسِبَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ.
قَالُوا: وَهَلْ هُوَ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ طَلَاقٌ، فَلَا بُدَّ مِنَ الرَّفْعِ إِلَى الْقَاضِي حَتَّى يُلْزِمَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ يُنْفِقَ، فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، فَإِنْ رَاجَعَهَا طَلَّقَ عَلَيْهِ ثَانِيَةً، فَإِنْ رَاجَعَهَا طَلَّقَ عَلَيْهِ ثَالِثَةً.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَسْخٌ، فَلَا بُدَّ مِنَ الرَّفْعِ إِلَى الْحَاكِمِ لِيُثْبِتَ الْإِعْسَارَ ثُمَّ تَفْسَخُ هِيَ، وَإِنِ اخْتَارَتِ الْمُقَامَ ثُمَّ أَرَادَتِ الْفَسْخَ مَلَكَتْهُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ يَتَجَدَّدُ وُجُوبُهَا كُلَّ يَوْمٍ، وَهَلْ تَمْلِكُ الْفَسْخَ فِي الْحَالِ أَوْ لَا تَمْلِكُهُ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ. الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: الثَّانِي. قَالُوا: فَلَوْ وَجَدَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ نَفَقَتَهَا وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَهَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ هَذَا الْإِمْهَالِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يُؤَجَّلُ سَنَةً ثُمَّ يُفْسَخُ قِيَاسًا عَلَى الْعِنِّينِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يُضْرَبُ لَهُ شَهْرٌ أَوْ شَهْرَانِ. وَقَالَ مالك: الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ. وَعَنْ أحمد رِوَايَتَانِ. إِحْدَاهُمَا، وَهِيَ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُخَيَّرُ بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ وَبَيْنَ الْفَسْخِ، فَإِنِ اخْتَارَتِ الْفَسْخَ رَفَعَتْهُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيُخَيَّرُ الْحَاكِمُ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ عَلَيْهِ أَوْ يُجْبِرَهُ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْفَسْخِ، فَإِنْ فَسَخَ أَوْ أَذِنَ فِي الْفَسْخِ فَهُوَ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ، وَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ. وَإِنْ أَجْبَرَهُ عَلَى الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ رَجْعِيًّا فَلَهُ رَجْعَتُهَا، فَإِنْ رَاجَعَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ أَوِ امْتَنَعَ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَطَلَبَتِ الْفَسْخَ فَسَخَ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَإِنْ رَضِيَتِ الْمُقَامَ مَعَهُ مَعَ عُسْرَتِهِ ثُمَّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ أَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ ثُمَّ اخْتَارَتِ الْفَسْخَ فَلَهَا ذَلِكَ.
قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ كَلَامِ أحمد: أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَيَبْطُلُ خِيَارُهَا، وَهُوَ قَوْلُ مالك لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِعَيْبِهِ وَدَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ عَالِمَةً بِهِ فَلَمْ تَمْلِكِ الْفَسْخَ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ عِنِّينًا عَالِمَةً بِعُنَّتِهِ. وَقَالَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ: قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute