رَضِيتُ بِهِ عِنِّينًا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي: هُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَالْحُجَّةِ.
وَالَّذِينَ قَالُوا: لَهَا الْفَسْخُ - وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ - قَالُوا: حَقُّهَا مُتَجَدِّدٌ كُلَّ يَوْمٍ فَيَتَجَدَّدُ لَهَا الْفَسْخُ بِتَجَدُّدِ حَقِّهَا، قَالُوا: وَلِأَنَّ رِضَاهَا يَتَضَمَّنُ إِسْقَاطَ حَقِّهَا فِيمَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ مِنَ الزَّمَانِ، فَلَمْ يَسْقُطْ كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ. قَالُوا: وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتِ النَّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَسْقُطْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتْهَا قَبْلَ الْعَقْدِ جُمْلَةً وَرَضِيَتْ بِلَا نَفَقَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتِ الْمَهْرَ قَبْلَهُ لَمْ يَسْقُطْ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ وُجُوبُهَا لَمْ يَسْقُطِ الْفَسْخُ الثَّابِتُ بِهِ. وَالَّذِينَ قَالُوا بِالسُّقُوطِ أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ يَتَجَدَّدُ، وَمَعَ هَذَا إِذَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنَ الْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ سَقَطَ وَلَمْ تَمْلِكِ الرُّجُوعَ فِيهِ.
قَالُوا: وَقِيَاسُكُمْ ذَلِكَ عَلَى إِسْقَاطِ نَفَقَتِهَا قِيَاسٌ عَلَى أَصْلٍ غَيْرِ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَلَا ثَابِتٍ بِالدَّلِيلِ، بَلِ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الشُّفْعَةِ بِإِسْقَاطِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ كَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ( «لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْبَيْعِ» ) وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إِذَا أَسْقَطَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهَا بَعْدَهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَجْعَلُ هَذَا أَصْلًا لِسُقُوطِ حَقِّهَا مِنَ النَّفَقَةِ بِالْإِسْقَاطِ، وَنَقُولُ: خِيَارٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَالشُّفْعَةِ ثُمَّ يُنْتَقَضُ هَذَا بِالْعَيْبِ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَوْ عَلِمَ بِهِ ثُمَّ اخْتَارَ تَرْكَ الْفَسْخِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ هَذَا، وَتَجَدُّدُ حَقِّهِ بِالِانْتِفَاعِ كُلَّ وَقْتٍ كَتَجَدُّدِ حَقِّ الْمَرْأَةِ مِنَ النَّفَقَةِ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَوْ أَسْقَطَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ أَسْقَطَ الْمَهْرَ قَبْلَهُ لَمْ يَسْقُطْ، فَلَيْسَ إِسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَإِسْقَاطِهِ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ، هَذَا إِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ إِجْمَاعٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِسْقَاطَيْنِ وَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ امْتَنَعَ الْقِيَاسُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute