للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ، وَهَذَا قَوْلُ أبي حنيفة وَصَاحِبَيْهِ. وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَيْهَا عِوَضَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهَا تَسْلِيمُهُ، كَمَا لَوْ أَعْسَرَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْمَبِيعِ لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ، وَعَلَيْهِ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا لِتَكْتَسِبَ لَهَا وَتُحَصِّلَ مَا تُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ فِي حَبْسِهَا بِغَيْرِ نَفَقَةٍ إِضْرَارًا بِهَا.

فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً، فَهَلَّا يَمْلِكُ حَبْسَهَا؟ قِيلَ قَدْ قَالُوا أَيْضًا: لَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَمْلِكُهُ إِذَا كَفَاهَا الْمُؤْنَةَ وَأَغْنَاهَا عَمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَلِحَاجَتِهِ إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ الْوَاجِبِ لَهُ عَلَيْهَا، فَإِذَا انْتَفَى هَذَا وَهَذَا لَمْ يَمْلِكْ حَبْسَهَا، وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.

ذَكَرَ عبد الرزاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْتُ عطاء عَمَّنْ لَا يَجِدُ مَا يُصْلِحُ امْرَأَتَهُ مِنَ النَّفَقَةِ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهَا إِلَّا مَا وَجَدَتْ، لَيْسَ لَهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا. وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَعْجَزُ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ: قَالَ: تُوَاسِيهِ وَتَتَّقِي اللَّهَ وَتَصْبِرُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مَا اسْتَطَاعَ. وَذَكَرَ عبد الرزاق عَنْ معمر قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ رَجُلٍ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ، أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: تَسْتَأْنِي بِهِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَتَلَا: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: ٧] [الطَّلَاقِ: ٧] . قَالَ معمر: وَبَلَغَنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ سَوَاءٌ. وَذَكَرَ عبد الرزاق عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي الْمَرْأَةِ يَعْسُرُ زَوْجُهَا بِنَفَقَتِهَا: قَالَ: هِيَ امْرَأَةٌ ابْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ وَلَا تَأْخُذْ بِقَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.

قُلْتُ: عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، هَذِهِ إِحْدَاهَا. وَالثَّانِيَةُ: رَوَى ابن وهب عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لِزَوْجِ امْرَأَةٍ شَكَتْ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا: اضْرِبُوا لَهُ أَجَلًا شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا إِلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>