للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: فَهَذَا أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَضْرِبَانِ ابْنَتَيْهِمَا بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ سَأَلَاهُ نَفَقَةً لَا يَجِدُهَا. وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَضْرِبَا طَالِبَتَيْنِ لِلْحَقِّ وَيُقِرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا فِيمَا طَلَبَتَاهُ مِنَ النَّفَقَةِ فِي حَالِ الْإِعْسَارِ، وَإِذَا كَانَ طَلَبُهُمَا لَهَا بَاطِلًا فَكَيْفَ تُمَكَّنُ الْمَرْأَةُ مِنْ فَسْخِ النِّكَاحِ بِعَدَمِ مَا لَيْسَ لَهَا طَلَبُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهَا، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَنْ يُنْظِرَ الْمُعْسِرَ إِلَى الْمَيْسَرَةِ، وَغَايَةُ النَّفَقَةِ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا، وَالْمَرْأَةُ مَأْمُورَةٌ بِإِنْظَارِ الزَّوْجِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ هَذَا إِنْ قِيلَ: تَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَإِنْ قِيلَ: تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَالْفَسْخُ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ.

قَالُوا: فَاللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ الصَّبْرَ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَنَدَبَهُ إِلَى الصَّدَقَةِ بِتَرْكِ حَقِّهِ، وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَجَوْرٌ لَمْ يُبِحْهُ لَهُ، وَنَحْنُ نَقُولُ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ: إِمَّا أَنْ تُنْظِرِيهِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ وَإِمَّا أَنْ تَصَّدَّقِي، وَلَا حَقَّ لَكِ فِيمَا عَدَا هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ.

قَالُوا: وَلَمْ يَزَلْ فِي الصَّحَابَةِ الْمُعْسِرُ وَالْمُوسِرُ، وَكَانَ مُعْسِرُوهُمْ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مُوسِرِيهِمْ، فَمَا مَكَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ امْرَأَةً وَاحِدَةً مِنَ الْفَسْخِ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا، وَلَا أَعْلَمَهَا أَنَّ الْفَسْخَ حَقٌّ لَهَا فَإِنْ شَاءَتْ صَبَرَتْ وَإِنْ شَاءَتْ فَسَخَتْ، وَهُوَ يُشَرِّعُ الْأَحْكَامَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ، فَهَبْ أَنَّ الْأَزْوَاجَ تَرَكْنَ حَقَّهُنَّ، أَفَمَا كَانَ فِيهِنَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ تُطَالِبُ بِحَقِّهَا؟ وَهَؤُلَاءِ نِسَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يُطَالِبْنَهُ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى أَغْضَبْنَهُ، وَحَلَفَ أَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ، فَلَوْ كَانَ مِنَ الْمُسْتَقِرِّ فِي شَرْعِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ الْفَسْخَ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا لَرُفِعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ مِنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ رُفِعَ إِلَيْهِ مَا ضَرُورَتُهُ دُونَ ضَرُورَةِ فَقْدِ النَّفَقَةِ مِنْ فَقْدِ النِّكَاحِ، وَقَالَتْ لَهُ امرأة رفاعة: إِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَ رفاعة عبد الرحمن بن الزبير وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ. تُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا كَانَ فِيهِمْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>