غَايَةِ النُّدْرَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِعْسَارِ، فَمَا طَلَبَتْ مِنْهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِالْإِعْسَارِ.
قَالُوا: وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْفَقْرَ وَالْغِنَى مَطِيَّتَيْنِ لِلْعِبَادِ، فَيَفْتَقِرُ الرَّجُلُ الْوَقْتَ وَيَسْتَغْنِي الْوَقْتَ، فَلَوْ كَانَ كُلُّ مَنِ افْتَقَرَ فَسَخَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ لَعَمَّ الْبَلَاءُ وَتَفَاقَمَ الشَّرُّ وَفُسِخَتْ أَنْكِحَةُ أَكْثَرِ الْعَالَمِ وَكَانَ الْفِرَاقُ بِيَدِ أَكْثَرِ النِّسَاءِ، فَمَنِ الَّذِي لَمْ تُصِبْهُ عُسْرَةٌ وَيَعُوزُ النَّفَقَةَ أَحْيَانًا.
قَالُوا: وَلَوْ تَعَذَّرَ مِنَ الْمَرْأَةِ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَرَضِ مُتَطَاوِلٍ وَأَعْسَرَتْ بِالْجِمَاعِ لَمْ يُمَكَّنِ الزَّوْجُ مِنْ فَسْخِ النِّكَاحِ، بَلْ يُوجِبُونَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ كَامِلَةً مَعَ إِعْسَارِ زَوْجَتِهِ بِالْوَطْءِ، فَكَيْفَ يُمَكِّنُونَهَا مِنَ الْفَسْخِ بِإِعْسَارِهِ عَنِ النَّفَقَةِ الَّتِي غَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنِ الِاسْتِمْتَاعِ؟
قَالُوا: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: امْرَأَتُكَ تَقُولُ: أَنْفِقْ عَلَيَّ وَإِلَّا طَلِّقْنِي، مِنْ كِيسِهِ، لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا فِي " الصَّحِيحِ " عَنْهُ. وَرَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ: ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ: امْرَأَتُكَ تَقُولُ، فَذَكَرَ الزِّيَادَةَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أبي صالح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهِ، فَأَشَارَ إِلَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ. قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَحَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلًا، وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى، وَأَرَادَ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - امْرَأَتُكَ تَقُولُ: أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَوَاللَّهِ مَا قَالَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا سَمِعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَا حَدَّثَ بِهِ، كَيْفَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَا يَسْتَجِيزُ أَنْ يَرْوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (امْرَأَتُكَ تَقُولُ: أَطْعِمْنِي وَإِلَّا طَلِّقْنِي)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute