الصَّحَابَةِ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: ٢٦] [الْإِسْرَاءِ: ٢٦] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: ٣٦] [النِّسَاءِ: ٣٦] وَقَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَطِيَّةَ لِلْأَقَارِبِ، وَصَرَّحَ بِأَنْسَابِهِمْ فَقَالَ: ( «وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ، حَقٌّ وَاجِبٌ وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ» ) .
فَإِنْ قِيلَ: فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْبِرُّ وَالصِّلَةُ دُونَ الْوُجُوبِ.
قِيلَ: يَرُدُّ هَذَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِهِ وَسَمَّاهُ حَقًّا وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (حَقَّهُ) ، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ حَقٌّ، وَأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَبَعْضُ هَذَا يُنَادِي عَلَى الْوُجُوبِ جِهَارًا.
فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِحَقِّهِ تَرْكُ قَطِيعَتِهِ.
فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: فَأَيُّ قَطِيعَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَرَاهُ يَتَلَظَّى جُوعًا وَعَطَشًا وَيَتَأَذَّى غَايَةَ الْأَذَى بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلَا يُطْعِمُهُ لُقْمَةً وَلَا يَسْقِيهِ جَرْعَةً وَلَا يَكْسُوهُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيَقِيهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَيُسْكِنُهُ تَحْتَ سَقْفٍ يُظِلُّهُ، هَذَا وَهُوَ أَخُوهُ ابْنُ أُمِّهِ وَأَبِيهِ، أَوْ عَمُّهُ صِنْوُ أَبِيهِ، أَوْ خَالَتُهُ الَّتِي هِيَ أُمُّهُ، إِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ بَذْلُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ الْبَعِيدِ بِأَنْ يُعَاوِضَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الذِّمَّةِ إِلَى أَنْ يُوسِرَ ثُمَّ يَسْتَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، هَذَا مَعَ كَوْنِهِ فِي غَايَةِ الْيَسَارِ وَالْجِدَةِ وَسَعَةِ الْأَمْوَالِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ قَطِيعَةً، فَإِنَّا لَا نَدْرِي مَا هِيَ الْقَطِيعَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَالصِّلَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا، وَحَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى قَاطِعِهَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: فَمَا هَذِهِ الصِّلَةُ الْوَاجِبَةُ الَّتِي نَادَتْ عَلَيْهَا النُّصُوصُ وَبَالَغَتْ فِي إِيجَابِهَا وَذَمَّتْ قَاطِعَهَا؟ فَأَيُّ قَدْرٍ زَائِدٍ فِيهَا عَلَى حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ حَتَّى تَعْقِلَهُ الْقُلُوبُ وَتُخْبِرَ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْمَلَ بِهِ الْجَوَارِحُ؟ أَهُوَ السَّلَامُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَعِيَادَتُهُ إِذَا مَرِضَ، وَتَشْمِيتُهُ إِذَا عَطَسَ، وَإِجَابَتُهُ إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute