يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الْعِدَّةِ تُسْتَقْبَلُ بِهِ، كَقُبُلِ الْحَائِضِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ مَا ذَكَرُوهُ، لَقِيلَ: فِي أَوَّلِ عِدَّتِهِنَّ، فَالْفَرْقُ بَيِّنٌ بَيْنَ قُبُلِ الشَّيْءِ وَأَوَّلِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: لَوْ كَانَتِ الْقُرُوءُ هِيَ الْحِيَضَ، لَكَانَ قَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ. قُلْنَا: أَجَلْ، وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَقْلًا وَشَرْعًا، فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تُفَارِقُ الطَّلَاقَ وَلَا تَسْبِقُهُ، بَلْ يَجِبُ تَأَخُّرُهَا عَنْهُ.
قَوْلُكُمْ: وَكَانَ ذَلِكَ تَطْوِيلًا عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، قِيلَ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ خَشْيَةُ التَّطْوِيلِ عَلَيْهَا، وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ لَا يَرْضَوْنَ هَذَا التَّعْلِيلَ، وَيُفْسِدُونَهُ بِأَنَّهَا لَوْ رَضِيَتْ بِالطَّلَاقِ فِيهِ، وَاخْتَارَتِ التَّطْوِيلَ، لَمْ يُبَحْ لَهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ، لَمْ تُبَحْ لَهُ بِرِضَاهَا، كَمَا يُبَاحُ إِسْقَاطُ الرَّجْعَةِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمُطَلِّقِ بِتَرَاضِيهِمَا بِإِسْقَاطِهَا بِالْعِوَضِ اتِّفَاقًا، وَبِدُونِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أحمد ومالك، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا حَرُمَ طَلَاقُهَا فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي وَقْتِ رَغْبَةٍ عَنْهَا، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّحْرِيمَ لِأَجْلِ التَّطْوِيلِ عَلَيْهَا، فَالتَّطْوِيلُ الْمُضِرُّ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا، فَتَنْتَظِرَ مُضِيَّ الْحَيْضَةِ وَالطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهَا، ثُمَّ تَأْخُذَ فِي الْعِدَّةِ، فَلَا تَكُونُ مُسْتَقْبِلَةً لِعِدَّتِهَا بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا إِذَا طُلِّقَتْ طَاهِرًا، فَإِنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ عَقِيبَ انْقِضَاءِ الطُّهْرِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّطْوِيلُ.
وَقَوْلُكُمْ: إِنَّ الْقُرْءَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَمْعِ، وَإِنَّمَا يُجْمَعُ الْحَيْضُ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ. عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ، وَالَّذِي هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَمْعِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْيَاءِ مِنَ الْمُعْتَلِّ، مِنْ قَرَى يَقْرِي، كَقَضَى يَقْضِي، وَالْقُرْءُ مِنَ الْمَهْمُوزِ مِنْ بَنَاتِ الْهَمْزِ، مِنْ قَرَأَ يَقْرَأُ، كَنَحَرَ يَنْحَرُ، وَهُمَا أَصْلَانِ مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَقْرِيهِ، أَيْ: جَمَعْتُهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقَرْيَةُ، وَمِنْهُ قَرْيَةُ النَّمْلِ: لِلْبَيْتِ الَّذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْرِيهَا، أَيْ يَضُمُّهَا وَيَجْمَعُهَا. وَأَمَّا الْمَهْمُوزُ، فَإِنَّهُ مِنَ الظُّهُورِ وَالْخُرُوجِ عَلَى وَجْهِ التَّوْقِيتِ وَالتَّحْدِيدِ، وَمِنْهُ قِرَاءَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute