تَتَرَبَّصُهَا، وَهِيَ تَتَرَبَّصُ ثَلَاثَ حِيَضٍ بِالْأَطْهَارِ الَّتِي قَبْلَهَا. فَإِذَا طُلِّقَتْ فِي أَثْنَاءِ الطُّهْرِ، فَقَدْ طُلِّقَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَسْتَقْبِلُ فِيهِ الْعِدَّةَ الْمَحْسُوبَةَ، وَتِلْكَ الْعِدَّةُ هِيَ الْحَيْضُ بِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْأَطْهَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طُلِّقَتْ فِي أَثْنَاءِ حَيْضَةٍ، فَإِنَّهَا لَمْ تُطَلَّقْ لِعِدَّةٍ تَحْسَبُهَا؛ لَأَنَّ بَقِيَّةَ ذَلِكَ الْحَيْضِ لَيْسَ هُوَ الْعِدَّةَ الَّتِي تَعْتَدُّ بِهَا الْمَرْأَةُ أَصْلًا وَلَا تَبَعًا لِأَصْلٍ، وَإِنَّمَا تُسَمَّى عِدَّةً؛ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ فِيهَا عَنِ الْأَزْوَاجِ، إِذَا عُرِفَ هَذَا، فَقَوْلُهُ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: ٤٧] [الْأَنْبِيَاءِ: ٤٧] ، يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لَامَ التَّعْلِيلِ، أَيْ: لِأَجْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْقِسْطَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، أَيْ نَضَعُهَا لِأَجْلِ الْقِسْطِ، وَقَدِ اسْتَوْفَى شُرُوطَ نَصْبِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] [الْإِسْرَاءِ: ٧٨] ، فَلَيْسَتِ اللَّامُ بِمَعْنَى " فِي " قَطْعًا، بَلْ قِيلَ: إِنَّهَا لَامُ التَّعْلِيلِ، أَيْ: لِأَجْلِ دُلُوكِ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى بَعْدَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إِقَامَتَهَا وَقْتَ الدُّلُوكِ سَوَاءٌ فُسِّرَ بِالزَّوَالِ أَوِ الْغُرُوبِ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ بَعْدَهُ، وَيَسْتَحِيلُ حَمْلُ آيَةِ الْعِدَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَكَذَا يَسْتَحِيلُ حَمْلُ آيَةِ الْعِدَّةِ عَلَيْهِ، إِذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى: فَطَلِّقُوهُنَّ بَعْدَ عِدَّتِهِنَّ. فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِاسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا إِذَا طُلِّقَتْ طَاهِرًا اسْتَقْبَلَتِ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ. وَلَوْ كَانَتِ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارَ، لَكَانَتِ السُّنَّةُ أَنْ تُطَلَّقَ حَائِضًا لِتَسْتَقْبِلَ الْعِدَّةَ بِالْأَطْهَارِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْعِدَّةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ هِيَ أَنْ تُطَلَّقَ طَاهِرًا لِتَسْتَقْبِلَ عِدَّتَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا جَعَلْنَا الْأَقْرَاءَ: الْأَطْهَارَ، اسْتَقْبَلَتْ عِدَّتَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِلَا فَصْلٍ، وَمَنْ جَعَلَهَا الْحِيَضَ لَمْ تَسْتَقْبِلْهَا عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الطُّهْرُ.
قِيلَ: كَلَامُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا بُدَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى فَائِدَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَعْنَى: فَطَلِّقُوهُنَّ طَلَاقًا تَكُونُ الْعِدَّةُ بَعْدَهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الْمَعْنَى: فَطَلِّقُوهُنَّ طَلَاقًا يَسْتَقْبِلْنَ فِيهِ الْعِدَّةَ لَا يَسْتَقْبِلْنَ فِيهِ طُهْرًا لَا تَعْتَدُّ بِهِ، فَإِنَّهَا إِذَا طُلِّقَتْ حَائِضًا اسْتَقْبَلَتْ طُهْرًا لَا تَعْتَدُّ بِهِ، فَلَمْ تُطَلَّقْ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ، وَيُوَضِّحُهُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدِّتِهِنَّ. وَقُبُلُ الْعِدَّةِ: هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute