للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْكِنُ إِذَا طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ. قِيلَ: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْحُرُوفِ، وَالْأَصْلُ إِفْرَادُ كُلِّ حَرْفٍ بِمَعْنَاهُ، فَدَعْوَى خِلَافِ ذَلِكَ مَرْدُودَةٌ بِالْأَصْلِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعِدَّةِ ظَرْفًا لِزَمَنِ الطَّلَاقِ، فَيَكُونُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي نَفْسِ الْعِدَّةِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الظَّرْفِيَّةِ، كَمَا إِذَا قُلْتَ: فَعَلْتُهُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ، بَلِ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الظَّرْفِ سَابِقًا عَلَى الْفِعْلِ، وَلَا رَيْبَ فِي امْتِنَاعِ هَذَا، فَإِنَّ الْعِدَّةَ تَتَعَقَّبُ الطَّلَاقَ وَلَا تُقَارِنُهُ، وَلَا تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ.

قَالُوا: وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ " اللَّامَ " بِمَعْنَى " فِي "، وَسَاعَدَ عَلَى ذَلِكَ قِرَاءَةُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ: (فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ) ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْءُ: هُوَ الطُّهْرَ، فَإِنَّ الْقُرْءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ هُوَ الْحَيْضَ، وَهُوَ الْمَعْدُودُ وَالْمَحْسُوبُ، وَمَا قَبْلَهُ مِنَ الطُّهْرِ يَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ تَبَعًا وَضِمْنًا لِوَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْحَيْضِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ طُهْرٌ، فَإِذَا قِيلَ: تَرَبَّصِي ثَلَاثَ حِيَضٍ، وَهِيَ فِي أَثْنَاءِ الطُّهْرِ كَانَ ذَلِكَ الطُّهْرُ مِنْ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، كَمَا لَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ: أَقِمْ هَاهُنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ لَيْلَةٍ، فَإِنَّهُ يُدْخِلُ بَقِيَّةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهَا، كَمَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ الْيَوْمَيْنِ الْآخَرِيَنِ فِي يَوْمَيْهِمَا. وَلَوْ قِيلَ لَهُ فِي النَّهَارِ: أَقِمْ ثَلَاثَ لَيَالٍ، دَخَلَ تَمَامُ ذَلِكَ النَّهَارِ تَبَعًا لِلَّيْلَةِ الَّتِي تَلِيهِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْحَيْضَ إِنَّمَا يَتِمُّ بِاجْتِمَاعِ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ قَبْلَهُ، فَكَانَ الطُّهْرُ مُقَدَّمَةً وَسَبَبًا لِوُجُودِ الْحَيْضِ، فَإِذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِالْحَيْضِ، فَمِنْ لَوَازِمِهِ مَا لَا يُوجَدُ الْحَيْضُ إِلَّا بِوُجُودِهِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا أَبْلَغُ مِنَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي، فَإِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مُتَلَازِمَانِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا سَبَبًا لِوُجُودِ الْآخَرِ، وَهَاهُنَا الطُّهْرُ سَبَبٌ لِاجْتِمَاعِ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ، فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] أَيْ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>