أَتَوْا بِالْعَلَامَةِ الدَّالَّةِ عَلَى اخْتِصَاصِ الْعَدَدِ الَّذِي يَلْفِظُونَ بِهِ بِمَا مَضَى، أَوْ بِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَإِذَا أَرَادُوا وُقُوعَ الْفِعْلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَتَوْا بِالْأَدَاةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهُ، وَهِيَ أَدَاةُ " فِي "، وَهَذَا خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنَ النُّحَاةِ: إِنَّ اللَّامَ تَكُونُ بِمَعْنَى قَبْلُ فِي قَوْلِهِمْ: كَتَبْتُهُ لِثَلَاثٍ بَقِينَ، وَقَوْلِهِ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] [الطَّلَاقِ: ١] . وَبِمَعْنَى بَعْدُ، كَقَوْلِهِمْ: لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ. وَبِمَعْنَى فِي: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: ٤٧] [الْأَنْبِيَاءِ: ٤٧] ، وَقَوْلِهِ: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: ٢٥] [آلِ عِمْرَانَ: ٢٥] ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ اللَّامَ عَلَى بَابِهَا لِلِاخْتِصَاصِ بِالْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْفِعْلَ لِلزَّمَانِ الْمَذْكُورِ اتِّسَاعًا لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ، فَكَأَنَّهُ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ.
وَفَرْقٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّكَ إِذَا أَتَيْتَ بِاللَّامِ، لَمْ يَكُنِ الزِّمَانُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ إِلَّا مَاضِيًا أَوْ مُنْتَظَرًا، وَمَتَى أَتَيْتَ بِفِي لَمْ يَكُنِ الزِّمَانُ الْمَجْرُورُ بِهَا إِلَّا مُقَارِنًا لِلْفِعْلِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا مِنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] [الطَّلَاقِ: ١] ، مَعْنَاهُ: لِاسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ لَا فِيهَا، وَإِذَا كَانَتِ الْعِدَّةُ الَّتِي يُطَلَّقُ لَهَا النِّسَاءُ مُسْتَقْبَلَةً بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَالْمُسْتَقْبَلُ بَعْدَهَا إِنَّمَا هُوَ الْحَيْضُ، فَإِنَّ الطَّاهِرَ لَا تَسْتَقْبِلُ الطُّهْرَ إِذْ هِيَ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَسْتَقْبِلُ الْحَيْضَ بَعْدَ حَالِهَا الَّتِي هِيَ فِيهَا، هَذَا الْمَعْرُوفُ لُغَةً وَعَقْلًا وَعُرْفًا، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي عَافِيَةٍ: هُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْعَافِيَةَ، وَلَا لِمَنْ هُوَ فِي أَمْنٍ: هُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْأَمْنَ، وَلَا لِمَنْ هُوَ فِي قَبْضِ مَغَلِّهِ وَإِحْرَازِهِ: هُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَغَلَّ، وَإِنَّمَا الْمَعْهُودُ لُغَةً وَعُرْفًا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الشَّيْءَ مَنْ هُوَ عَلَى حَالٍ ضِدَّهُ، وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ نُكْثِرَ شَوَاهِدَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَنْ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ مُطَلِّقًا لِلْعِدَّةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَقْبِلُ طُهْرَهَا بَعْدَ حَالِهَا الَّتِي هِيَ فِيهَا، قُلْنَا: نَعَمْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَوَّلُ الْعِدَّةِ الَّتِي تُطَلَّقُ لَهَا الْمَرْأَةُ هُوَ الطُّهْرَ لَكَانَ إِذَا طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ مُطَلِّقًا لِلْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الطُّهْرَ بَعْدَ ذَلِكَ الطَّلَاقِ.
فَإِنْ قِيلَ: " اللَّامُ " بِمَعْنَى " فِي "، وَالْمَعْنَى: فَطَلِّقُوهُنَّ فِي عِدَّتِهِنَّ، وَهَذَا إِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute