للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُرْتَابَةُ فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهَا لَا تَزَالُ فِي عِدَّةٍ حَتَّى تَبْلُغَ سِنَّ الْإِيَاسِ فَتَعْتَدَّ بِهِ، وَهُوَ يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ سَوَاءً، إِلَّا أَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ عِنْدَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ. فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَهَا لَمْ يَلْحَقْهُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ.

قَالَ القاضي إسماعيل: وَالْيَأْسُ يَكُونُ بَعْضُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ وَكَذَلِكَ الْقُنُوطُ وَكَذَلِكَ الرَّجَاءُ وَكَذَلِكَ الظَّنُّ، وَمِثْلُ هَذَا يَتَّسِعُ الْكَلَامُ فِيهِ، فَإِذَا قِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ أُنْزِلَ عَلَى قَدْرِ مَا يَظْهَرُ مِنَ الْمَعْنَى فِيهِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَقُولُ قَدْ يَئِسْتُ مِنْ مَرِيضِي إِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ، وَيَئِسْتُ مِنْ غَائِبِي إِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَقْدَمُ، وَلَوْ قَالَ إِذَا مَاتَ غَائِبُهُ أَوْ مَاتَ مَرِيضُهُ قَدْ يَئِسْتُ مِنْهُ لَكَانَ الْكَلَامُ عِنْدَ النَّاسِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ إِلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ مَعْنَى مَا قَصَدَ لَهُ فِي كَلَامِهِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كُنْتُ وَجِلًا فِي مَرَضِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتَ فَلَمَّا مَاتَ وَقَعَ الْيَأْسُ فَيَنْصَرِفُ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ.

إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُلْفَظُ بِالْيَأْسِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا هُوَ الْأَغْلَبُ عِنْدَ الْيَأْسِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ، وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنَ الْيَائِسِ وَالطَّامِعِ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يَكُونُ، أَوْ لَا يَكُونُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: ٦٠] [النُّورِ ٦٠] وَالرَّجَاءُ ضِدُّ الْيَأْسِ، وَالْقَاعِدَةُ مِنَ النِّسَاءِ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ تُزَوَّجَ، غَيْرَ أَنَّ الْأَغْلَبَ عِنْدَ النَّاسِ فِيهَا أَنَّ الْأَزْوَاجَ لَا يَرْغَبُونَ فِيهَا.، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: ٢٨] [الشُّورَى: ٢٨] وَالْقُنُوطُ شِبْهُ الْيَأْسِ، وَلَيْسَ يَعْلَمُونَ يَقِينًا أَنَّ الْمَطَرَ لَا يَكُونُ، وَلَكِنَّ الْيَأْسَ دَخَلَهُمْ حِينَ تَطَاوَلَ إِبْطَاؤُهُ.، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: ١١٠] [يُوسُفَ ١١٠] فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الرُّسُلَ هُمُ الَّذِينَ اسْتَيْأَسُوا كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ دَخَلَ قُلُوبَهُمْ يَأْسٌ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ اسْتَيْقَنُوهُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هود: ٣٦] [هُودٍ: ٣٦] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ إِخْوَةِ يُوسُفَ {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: ٨٠] [يُوسُفَ ٨٠] فَدَلَّ الظَّاهِرُ عَلَى أَنَّ يَأْسَهُمْ لَيْسَ بِيَقِينٍ، وَقَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنَا مالك،

<<  <  ج: ص:  >  >>