يَعُودُ مَعَهُ، وَإِمَّا بِعَادَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ لَهَا مِنْ أَهْلِهَا وَأَقَارِبِهَا أَوْلَى أَنْ تَكُونَ آيِسَةً. وَإِنْ لَمْ تَبْلُغِ الْخَمْسِينَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا ارْتَفَعَ لِمَرَضٍ، أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ حَمْلٍ، فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ آيِسَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ.
فَالْمَرَاتِبُ ثَلَاثَةٌ. أَحَدُهَا: أَنْ تَرْتَفِعَ لِيَأْسٍ مَعْلُومٍ مُتَيَقَّنٍ، بِأَنْ تَنْقَطِعَ عَامًا بَعْدَ عَامٍ وَيَتَكَرَّرَ انْقِطَاعُهُ أَعْوَامًا مُتَتَابِعَةً، ثُمَّ يُطْلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَذِهِ تَتَرَبَّصُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِنْتَ أَرْبَعِينَ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، وَهِيَ أَوْلَى بِالتَّرَبُّصِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنَ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا الصَّحَابَةُ وَالْجُمْهُورُ بِتَرَبُّصِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ ثَلَاثَةً، فَإِنَّ تِلْكَ كَانَتْ تَحِيضُ وَطُلِّقَتْ وَهِيَ حَائِضٌ، ثُمَّ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ، فَإِذَا حُكِمَ فِيهَا بِحُكْمِ الْآيِسَاتِ بَعْدَ انْقِضَاءِ غَالِبِ مُدَّةِ الْحَمْلِ فَكَيْفَ بِهَذِهِ؟ ، وَلِهَذَا قَالَ القاضي إسماعيل فِي " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ ": إِذَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ ذَكَرَ الْيَأْسَ مَعَ الرِّيبَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: ٤] [الطَّلَاقِ ٤] ، ثُمَّ جَاءَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَفْظٌ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ قَالَ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ طُلِّقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً، أَوْ حَيْضَتَيْنِ، ثُمَّ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ) .
فَلَمَّا كَانَتْ لَا تَدْرِي مَا الَّذِي رَفَعَ الْحَيْضَةَ كَانَ مَوْضِعَ الِارْتِيَابِ فَحُكِمَ فِيهَا بِهَذَا الْحُكْمِ، وَكَانَ اتِّبَاعُ ذَلِكَ أَلْزَمَ وَأَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الرَّجُلَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَيَرْتَفِعُ حَيْضُهَا وَهِيَ شَابَّةٌ أَنَّهَا تَبْقَى ثَلَاثِينَ سَنَةً مُعْتَدَّةً وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ، فَخَالَفَ مَا كَانَ مِنْ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي مَضَوْا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِالْأَبِ مَا دَامَتِ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّتِهَا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَيَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا أَحْكَامُ الزّوْجَاتِ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا مِنَ الْمُوَارَثَةِ وَغَيْرِهَا؟ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يَلْحَقْهُ، وَظَاهِرُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَنَّهَا جُعِلَتْ مِنَ الدُّخُولِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَكَيْفَ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةً وَالْوَلَدُ لَا يَلْزَمُ؟
قُلْتُ: هَذَا إِلْزَامٌ مِنْهُ لأبي حنيفة، فَإِنَّ عِنْدَهُ أَقْصَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute