الزَّوْجِ، بَلْ جُعِلَ حَرِيمًا لِلنِّكَاحِ وَعُقُوبَةً لِلزَّوْجِ بِتَطْوِيلِ مُدَّةِ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَوْ سُوِّغَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ مُجَرَّدِ الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ لَأَمْكَنَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الثَّانِي وَيُطَلِّقَهَا بِسُرْعَةٍ، إِمَّا عَلَى قَصْدِ التَّحْلِيلِ أَوْ بِدُونِهِ، فَكَانَ تَيْسِيرُ عَوْدِهَا إِلَى الْمُطَلِّقِ، وَالشَّارِعُ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ عُقُوبَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ إِنَّمَا أَبَاحَ مِنْهُ قَدْرَ الْحَاجَةِ، وَهُوَ الثَّلَاثُ، وَحَرَّمَ الْمَرْأَةَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَكَانَ مِنْ تَمَامِ الْحِكْمَةِ أَنَّهَا لَا تَنْكِحُ حَتَّى تَتَرَبَّصَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، وَهَذَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا بِهِ، فَإِنَّهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنَ الطَّلَاقِ لَا تَنْكِحُ حَتَّى تَتَرَبَّصَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، فَكَانَ التَّرَبُّصُ هُنَاكَ نَظَرًا فِي مَصْلَحَتِهِ لَمَّا لَمْ يُوقِعِ الثَّلَاثَ الْمُحَرِّمَةَ، وَهُنَا التَّرَبُّصُ بِالثَّلَاثِ مِنْ تَمَامِ عُقُوبَتِهِ، فَإِنَّهُ عُوقِبَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَبِيبَتُهُ وَجُعِلَ تَرَبُّصُهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَعُودَ إِلَيْهِ حَتَّى يَحْظَى بِهَا غَيْرُهُ حُظْوَةَ الزَّوْجِ الرَّاغِبِ بِزَوْجَتِهِ الْمَرْغُوبِ فِيهَا، وَفِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ مُؤْلِمَةٌ عَلَى إِيقَاعِ الْبَغِيضِ إِلَى اللَّهِ الْمَكْرُوهِ لَهُ.
فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ تَرَبُّصٍ وَتَزَوُّجٍ بِزَوْجٍ آخَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِ ذَلِكَ الزَّوْجِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا، عَلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَيْأَسَ مِنْهَا فَلَا تَعُودَ إِلَيْهِ إِلَّا بِاخْتِيَارِهَا لَا بِاخْتِيَارِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ إِذَا كَانَ قَدْ نَكَحَ نِكَاحَ رَغْبَةٍ، وَهُوَ النِّكَاحُ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِمَصَالِحِهِمْ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَسَبَبًا لِحُصُولِ الرَّحْمَةِ وَالْوِدَادِ، فَإِنَّهُ لَا يُطَلِّقُهَا لِأَجْلِ الْأَوَّلِ بَلْ يُمْسِكُ امْرَأَتَهُ فَلَا يَصِيرُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ اخْتِيَارٌ فِي عَوْدِهَا إِلَيْهِ، فَإِذَا اتَّفَقَ فِرَاقُ الثَّانِي لَهَا بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ كَمَا يَفْتَرِقُ الزَّوْجَانِ اللَّذَانِ هُمَا زَوْجَانِ أُبِيحَ لِلْمُطَلِّقِ الْأَوَّلِ نِكَاحُهَا كَمَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ نِكَاحُ مُطَلَّقَةِ الرَّجُلِ ابْتِدَاءً، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ الْمُهَيْمِنَةِ عَلَى جَمِيعِ الشَّرَائِعِ بِخِلَافِ الشَّرِيعَتَيْنِ قَبْلَنَا، فَإِنَّهُ فِي شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ قَدْ قِيلَ: إِنَّهَا مَتَى تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ أَبَدًا.
وَفِي شَرِيعَةِ الْإِنْجِيلِ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا الْبَتَّةَ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ الْكَامِلَةُ الْفَاضِلَةُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَحْسَنِهَا وَأَصْلَحِهَا لِلْخَلْقِ، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ التَّحْلِيلُ مُبَايِنًا لِلشَّرَائِعِ كُلِّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute