للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ هَلْ لَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ حَيْثُ شَاءَتْ، أَوْ يَلْزَمُهَا التَّحَوُّلُ إِلَى أَقْرَبِ الْمَسَاكِنِ إِلَى مَسْكَنِ الْوَفَاةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

فَإِنْ خَافَتْ هَدْمًا، أَوْ غَرَقًا، أَوْ عَدُوًّا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ حَوَّلَهَا صَاحِبُ الْمَنْزِلِ لِكَوْنِهِ عَارِيَةً رَجَعَ فِيهَا، أَوْ بِإِجَارَةٍ انْقَضَتْ مُدَّتُهَا، أَوْ مَنَعَهَا السُّكْنَى تَعَدِّيًا، أَوِ امْتَنَعَ مِنْ إِجَارَتِهِ، أَوْ طَلَبَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، أَوْ لَمْ تَجِدْ مَا تَكْتَرِي بِهِ، أَوْ لَمْ تَجِدْ إِلَّا مِنْ مَالِهَا فَلَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ لِأَنَّهَا حَالُ عُذْرٍ، وَلَا يَلْزَمُهَا بَذْلُ أَجْرِ الْمَسْكَنِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهَا فِعْلُ السُّكْنَى لَا تَحْصِيلُ الْمَسْكَنِ، وَإِذَا تَعَذَّرَتِ السُّكْنَى سَقَطَتْ، وَهَذَا قَوْلُ أحمد، وَالشَّافِعِيُّ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلِ الْإِسْكَانُ حَقٌّ عَلَى الْوَرَثَةِ تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَعَلَى الْمِيرَاثِ أَمْ لَا حَقَّ لَهَا فِي التَّرِكَةِ سِوَى الْمِيرَاثِ؟ قِيلَ: هَذَا مَوْضُوعٌ اخْتُلِفَ فِيهِ.

فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَلَا سُكْنَى لَهَا فِي التَّرِكَةِ، وَلَكِنْ عَلَيْهَا مُلَازَمَةُ الْمَنْزِلِ إِذَا بُذِلَ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ لَهَا السُّكْنَى حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الْمَالِ تُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ، وَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا تُبَاعُ الدَّارُ فِي دَيْنِهِ بَيْعًا يَمْنَعُهَا سُكْنَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى الْوَارِثِ أَنْ يَكْتَرِيَ لَهَا سَكَنًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْهُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ. وَإِنِ اتَّفَقَ الْوَارِثُ وَالْمَرْأَةُ عَلَى نَقْلِهَا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ السُّكْنَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزِ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى إِبْطَالِهَا، بِخِلَافِ سُكْنَى النِّكَاحِ فَإِنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ مِنْ حُقُوقِ الْعِدَّةِ، وَالْعِدَّةُ فِيهَا حَقٌّ لِلزَّوْجَيْنِ.

وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ سُكْنَى الرَّجْعِيَّةِ كَذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى إِبْطَالِهَا، هَذَا مُقْتَضَى نَصِّ الْآيَةِ، وَهُوَ مَنْصُوصُ أحمد وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا السُّكْنَى بِكُلِّ حَالٍ حَامِلًا كَانَتْ، أَوْ حَائِلًا، فَصَارَ فِي مَذْهَبِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>