عَنْهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَيَوْمَ مُؤْتَةَ وَغَيْرِهَا وَاعْتَدَّ أَزْوَاجُهُمْ بَعْدَهُمْ، فَلَوْ كَانَ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ تُلَازِمُ مَنْزِلَهَا زَمَنَ الْعِدَّةِ لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَظْهَرِ الْأَشْيَاءِ وَأَبْيَنِهَا بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ هُوَ دُونَ ابْنِ عَبَّاسٍ وعائشة، فَكَيْفَ خَفِيَ هَذَا عَلَيْهِمَا وَعَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ حَكَى أَقْوَالَهُمْ مَعَ اسْتِمْرَارِ الْعَمَلِ بِهِ اسْتِمْرَارًا شَائِعًا، هَذَا مِنْ أَبْعَدِ الْأَشْيَاءِ، ثُمَّ لَوْ كَانَتِ السُّنَّةُ جَارِيَةً بِذَلِكَ لَمْ تَأْتِ الفريعة تَسْتَأْذِنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَلْحَقَ بِأَهْلِهَا وَلَمَّا أُذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِرَدِّهَا بَعْدَ ذَهَابِهَا وَيَأْمُرُهَا بِأَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مُسْتَمِرًّا ثَابِتًا لَكَانَ قَدْ نُسِخَ بِإِذْنِهِ لَهَا فِي اللَّحَاقِ بِأَهْلِهَا، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ الْإِذْنُ بِأَمْرِهِ لَهَا بِالْمُكْثِ فِي بَيْتِهَا فَيُفْضِي إِلَى تَغْيِيرِ الْحُكْمِ مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا لَا عَهْدَ لَنَا بِهِ فِي الشَّرِيعَةِ فِي مَوْضِعٍ مُتَيَقَّنٍ.
قَالَ الْآخَرُونَ: لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُوجِبُ رَدَّ هَذِهِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي تَلَقَّاهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَأَكَابِرُ الصَّحَابَةِ بِالْقَبُولِ وَنَفَّذَهَا عثمان وَحَكَمَ بِهَا، وَلَوْ كُنَّا لَا نَقْبَلُ رِوَايَةَ النِّسَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَذَهَبَتْ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ رَوَاهَا عَنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ، وَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْبَغِي وُجُوبُ الِاعْتِدَادِ فِي الْمَنْزِلِ حَتَّى تَكُونَ السُّنَّةُ مُخَالِفَةً لَهُ، بَلْ غَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِحُكْمٍ سَكَتَ عَنْهُ الْكِتَابُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا تُرَدُّ بِهِ السُّنَنُ، وَهَذَا الَّذِي حَذَّرَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِهِ أَنْ تُتْرَكَ السُّنَّةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَظِيرُ حُكْمِهَا فِي الْكِتَابِ.
وَأَمَّا تَرْكُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِحَدِيثِ الفريعة - فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهَا، وَلَوْ بَلَغَهَا فَلَعَلَّهَا تَأَوَّلَتْهُ، وَلَوْ لَمْ تَتَأَوَّلْهُ فَلَعَلَّهُ قَامَ عِنْدَهَا مُعَارِضٌ لَهُ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَالْقَائِلُونَ بِهِ فِي تَرْكِهِمْ لِتَرْكِهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ أَعْذَرُ مِنَ التَّارِكِينَ لَهُ لِتَرْكِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ، فَبَيْنَ التَّرْكَيْنِ فَرْقٌ عَظِيمٌ.
وَأَمَّا مَنْ قُتِلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ فَلَمْ يَأْتِ قَطُّ أَنَّ نِسَاءَهُمْ كُنَّ يَعْتَدِدْنَ حَيْثُ شِئْنَ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُنَّ مَا يُخَالِفُ حُكْمَ حَدِيثِ فُرَيْعَةَ الْبَتَّةَ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ لِأَمْرٍ لَا يُعْلَمُ كَيْفَ كَانَ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَعْتَدِدْنَ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute